ثارت وثائق تنظيم القاعدة التي أفرجت عنها واشنطن وتتضمن مسودة اتفاق القاعدة مع موريتانيا ووصية بن لادن لأبي حفص الموريتاني، اهتمام المحللين السياسيين، فرغم أن الوصية التي أوصى بها أسامة بن لادن لمفتي القاعدة السابق كانت متوقعة نظرا للمكانة التي كان يحظى بها الرجل لدى بن لادن..
ودوره في تدريس قيادات القاعدة في فترة التسعينات ومن ضمنهم بن لادن نفسه، فإن الاتفاق المزعوم بين التنظيم وموريتانيا أثار استغراب الكثير من المراقبين وخاصة المطلعين على ملف نشاطات القاعدة في موريتانيا.
فمن جهة لم تنفذ القاعدة اعتداءات "كبيرة" في موريتانيا رغم توفر الظروف المناسبة لذلك وأهمها ضعف المراقبة الأمنية للحدود ونشاط الكثير من موريتانيين بالتنظيم والذين كانوا ينشطون في دول الجوار كمالي والجزائر، بل وتوقف تهديد "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" لموريتانيا خاصة بعد عام 2010 الذي تشير الوثائق التي حصلت عليها القوات الخاصة الأمريكية عندما داهمت مخبأ أسامة بن لادن في باكستان عام 2011 أن قادة تنظيم القاعدة ناقشوا خطة للإعداد لاتفاق سلام مع حكومة موريتانيا في نفس العام الذي توقفت فيه الهجمات.
وقبلها بعام أي في 2009 كانت موريتانيا قد شهدت تزايد وتيرة الأحداث الإرهابية التي نفذتها القاعدة ولعل أشدها وقعا قتل مواطن أمريكي يعمل في منظمة خيرية وسط العاصمة نواكشوط، وتفجير انتحاري قرب مقر السفارة الفرنسية بنواكشوط أصيب بسببه حراس السفارة، كما خطف مسلحون تابعون لتنظيم القاعدة ثلاثة إسبان (رجلان وامرأة) على طريق ساحلي يربط بين العاصمة نواكشوط ومدينة نواذيبو، وتمكن الخاطفون من الوصول إلى شمال مالي وقطع مسافة تزيد على 900 كيلومتر دون أن تتمكن قوات الأمن الموريتانية من اعتراضهم أو تتبع أثرهم، وبعد أقل من ثلاثة أسابيع اختطف تنظيم القاعدة مواطن إيطالي وزوجته قرب الحدود الموريتانية المالية.
وتظهر المقارنة بين تواريخ هذه الأحداث أن القاعدة توقفت عن مهاجمة موريتانيا مما يرجح أن تكون حكومة نواكشوط ربما فاوضت القاعدة لتخفيف هجماتها عن موريتانيا التي بدأت بالفعل عام 2010 إظهار حسن نواياها للقاعدة حين عقدت جلسات "مناصحة" مع إرهابيي القاعدة دون سابق إنذار ودون أن يبدي السجناء أي استعداد للتوبة عما اقترفوا من أفعال إرهابية. وفي مرحلة لاحقة من عام 2010 بدأت نواكشوط تجني ثمار هذا "الاتفاق" حين أطلقت عمليات استعادة الكرامة بالنسبة للجيش الموريتاني ودحر المهاجمين شرق موريتانيا وشمال مالي في المناطق التي شهدت عمليات إرهابية عدة ضد الجيش الموريتاني.
لكن بالمقابل هناك وقائع تنفي إلى حد كبير حصول اتفاق بين القاعدة وموريتانيا، فحسب الاتفاق التزمت نواكشوط بإطلاق سراح سجناء القاعدة، لكن لذلك لم يحدث ولا يزال قادة تنظيم القاعدة في موريتانيا يقبعون في السجن ويقضون أحكاما بالسجن المشدد في ثكنات عسكرية خشية فرارهم، ومن تم الإفراج عنه متورطون بالمساعدة والدعم قضوا فترة العقوبة السجنية كاملة.
كما أن رفض نواكشوط دفع الفدية للخاطفين أو المشاركة في عملية التفاوض لإطلاق سراح سياح أوروبيين اختطفوا في موريتانيا ينفي حدوث أي تنسيق بين الجانبين في هذا الخصوص. كما أنه من المستبعد قبول نواكشوط دفع مبلغ يتراوح بين 10 و20 مليون سنويا لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي لتعويض الإرهابيين ومنع خطف السائحين، حسب ما جاء في الوثائق التي نشرت، لأن تخصيص هذا المبلغ الضخم سنويا لتسليح الجيش وقوى الأمن يكفي موريتانيا لمحاربة الإرهاب ومراقبة حدودها الشرقية مع مالي والجزائر حيث يتسلل الإرهابيون باستمرار.
ولم تعلق السلطات الموريتانية بشكل رسمي على نشر هذه الوثائق، لكن الحسين ولد الناجي المستشار القانوني لرئيس موريتانيا نفى في حديثه لوكالة "رويترز " بشدة وجود أي صلة لحكومته بمثل هذا الاتفاق وقال في إشارة إلى جناح تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي إن بلاده تعارض دائما دفع الفدى والتمويل غير المباشر للإرهاب وإنه لا يوجد أي اتفاق سري بين موريتانيا وهؤلاء الأشخاص.
إلى ذلك قال المحلل السياسي محمد محمود ولد أحمدو لـ"العربية نت" إنه من الصعب التأكد من صحة هذه الوثائق رغم أهميتها، وأوضح أنه إذا ثبت أن الاتفاق قائم بشكل فعلي أو في فترة معينة فإن ذلك سيضع موريتانيا في ورطة كبيرة مع جيرانها الذين كانوا يتعرضون لهجمات القاعدة ويقيمون اتفاقيات أمنية مع نواكشوط لمحاربة القاعدة وهو ما قد يعتبر تواطؤا ضدهم.
وأضاف أن الشارع الموريتاني تفاجأ مما كشفته رسائل بن لادن خاصة دفع 9 مليارات من الأوقية الموريتانية للقاعدة مقابل التفاخر بانتصار أمني مزعوم ضد القاعدة.