لهذه الأسباب صوت الشيوخ ضد تعديل الدستور

شكل تصويت أعضاء مجلس الشيوخ (الغرفة الأولى للبرلمان) ضد مشروع التعديلات الدستورية هزة كبيرة داخل الأغلبية الداعمة للرئيس، وانتصار معنوى كبير للقوى التى راهنت 

على إسقاطها داخل البرلمان، وسط حالة ارتباك داخل السلطة التنفيذية والمجلس المحسوب سابقا على الأغلبية الداعمة للرئيس. غير أن مسار الأحداث بموريتانيا خلال الفترة الأخيرة كان يوحى بمخاض عسر تمر به الدولة الموريتانية بفعل ضعف السلطة التنفيذية، وتراجع الصورة التى رسمها الرئيس عن شخصه فى مخيلة الجمهور عشية وصوله للسلطة، مع احتقار كبير للقوى الفاعلة بالبلد، خصوصا القوى السياسية التقليدية ورجال القبائل الممسكين فعليا بزمام الأمور. وقد تضافرت عدة أمور دفعت الشيوخ لإنهاء الحراك الرامى إلى تمرير التعديل عبر البرلمان، وتطبيق بنود حوار 2016 الذى دفعت إليه الحكومة والأغلبية المحاورة، وقاطعته قوى فاعلة داخل الساحة المحلية وخارجها. ومن أبرز تلك الأمور : (*) النظرة الدونية التى عوم لبها الشيوخ من قبل قوى فاعلة فى السلطة، والنظر إليهم كجزء من منظومة سياسية تقليدية يجب تجاوزها، فى ظل هيمنة المراهقين على الشأن التنفيذى، وتراجع مكانة القوى التقليدية فى المنظومة السياسية، وضعف الإهتمام بالداخل، الواجهة الفعلية لأي عمل سياسى يراد له النجاح. (*) انخراط الحكومة فى حملة مستهدفة للشيوخ فور إعلان الرئيس إلغاء الغرفة فى خطابه الشهير بمدينة النعمة، ومراهنة الوزراء على ضغط الرئيس من أجل طي الملف، دون القيام بخطوات إيجابية تجاه الشيوخ، باستثناء تنظيم حفل عشاء واحد داخل الأجنحة الملكية. (*) انقسام الأغلبية الدعمة للرئيس، ودفع بعض الأطراف نحو تمرد برلمانى ، توج بمقاطعة الشيوخ لاجتماع دعا إليه رئيس الحزب الحاكم قبل فترة، والتعامل مع الحزب كيافطة شكلية، مكتفين ببعض الرموز الفاعلة فى المجلس أو تلك التى تتخذ من المتاجرة بالنفوذ والقرب من الرئيس واجهة لفعلها السياسى دون إشراك أي شخص فى القرارات المصيرية للبلد. (*) إبعاد الشيوخ من الحوار الأخير، والتعامل معهم من قبل المكلفين بتسييره (الأمانة العامة للرئاسة ومستشارى الرئيس) كطبقة سياسية منتهية، فلا مشاركة فى الحوار، ولا اهتمام بالآراء المطروحة من قبل أعضاء الغرفة، ولا تشاور قبل الحوار أو إشراك فى النتائج. (*) الضغط الإعلامي والسياسى الممارس من قبل الشارع والإعلام والنخبة على أعضاء المجلس، وتحويلهم إلى مادة للتندر فى المجالس وداخل الدوائر الحكومية والمهرجانات السياسية والتقليل من أهميهم، وعدم المراهنة عليه، مما ولد ردة فعل غاضبة، تمت ترجمتها بنجاح إلى تصويت مفاجئ أسقط التعديل وأربك المشهد العام بموريتانيا. (*) غياب أي أفق سياسى أمام أعضاء المجلس الذين قرر الرئيس والحكومة التخلى عنهم فجأة دون رسالة مطمئنة أو مكافئة على الدعم والتضحية من أجل توطيد دعائم الحكم الذى ناصروه، رغم أنهم وصلوا للمجلس قبل وصوله للسلطة، وأستمد منهم الشرعية عشية وصوله إليها 2009. (*) ضعف الحكومة الحالية : وهي حكومة يتميز أعضائها بالعجز عن التأثير فى المشهد العام، حيث عمد الرئيس إلى تشكيل تولفة من الشيوخ والقاصرين لاعلاقة لها بمراكز الثقل الاجتماعى والسياسى داخل البلد، بل إن بعضها عاجز عن التأثير فى محيطه الأسرى الضيق. (*) الدفع بالتعديل نحو الشيوخ، والطلب منهم إلغاء أنفسهم بأنفسهم، وهو أمر تأباه الفطرة السليمة مهما كانت القناعة بالمشروع والشخص الحاكم، بل إنه إهانة فى نظر البعض لعلية القوم وتقزيم لهم وهم يغادرون المشهد السياسى بموريتانيا. (*) وجود كتلة سياسية معارضة قوية (12 شيخ) وهو مايعادل 1/5 من أعضاء المجلس، بينما كانت المقاطعة سنة 2013 مؤثرة على وجود المعارضة داخل الغرفة الأخرى. (*) حراك قوى للمعارضة الموريتانية فى الخارج، واستثمار ذكى للغضب الحاصل فى الأغلبية والخلافات الداخلية، والضغط من أجل تحييد ما أمكن من أنصار الرئيس عن الصراع الدائر بينه وبين المعارضة الموريتانية فى الداخل والخارج. (*) ضعف الاهتمام بالمنتخبين الزنوج داخل المجلس وهم كتلة قوية ، والإكتفاء بالأشخاص الذين أظهروا رفضهم للواقع الحالى أو عبروا صراحة عن غضبهم من تصريحات أعضاء الحكومة والرئيس. (*) تنامى وعي كبير داخل الأغلبية الداعمة للرئيس بحقوقها، واستشعار بعض الأطراف المحلية بأنها باتت ضحية لتسيير غير متزن للأمور التنفيذية، وضعف تأثير المكلفين منها بدوائر تنفيذية أو استشارية، وتنامى الشعور باليأس والإحباط من تغيير الواقع المر. (*) تأثير الشبكات الاجتماعية والمدونين والمواقع الالكترونية، حيث بات الغرفة فى الفترة الأخيرة ساحة لمتابعة ماينشر ونقاشه بشكل مستفيض واتخاذ مواقف واضحة منه.