طوال الأشهر الماضية، عايش الرأي العام بكثير من القلق تطورات الساحة السياسية في البلاد التي انتقلت من حالة انسداد شبه كامل لتعرف بعض مؤشرات الانفتاح مع خطاب النعمة، قبل أن تدخل في حالة انسداد تام بعد المؤتمر الصحفي الأخير لرئيس الجمهورية.
تموجات المشهد السياسي، تحصل على إيقاع أزمة اقتصادية تعصف بما تبقى من قوة شرائية للطبقة الوسطى المتهالكة أصلا، لتعمق أكثر الشرخ الحاصل بين حفنة من الأغنياء يتناقص عددهم يوما بعد يوم وقاعدة شعبية تكابد البقاء ويترك أغلبها نهبا للشقاء ومنزلقاته.
كما تحصل هذه التموجات على وقع "أزمة حكم" تدفع الموريتانيين أكثر فأكثر _وبتسارع مخيف_ إلى التعرف على هوياتهم من خلال لون بشرتهم! بدا الرئيس خلال المرحلة المنصرمة وكأنه الممسك بأهم أوراق اللعبة، يشد الحبل ليرتفع منسوب التوتر ثم يرخيه قليلا لتلوح في الأفق بوادر الانفراج، قبل أن ينتهي به المطاف وقد أصبح في وضعية الحجر الموجود في مقدمة السيل يظن أنه يقوده بينما هو في الحقيقة مدفوع بقوة التيار، أي قبل أن يسقط في فخ محكم ليواجه مصيره وحيدا بعد أن أصبح ضد الجميع: الجيش لا شأن له بالسلطة، الحركات الايديولوجية بعبع، الادارة الفاسدة منزوعة ميزانيات التسيير، جزء من الأغلبية ارتكب الخيانة، فرنسا في قفص الاتهام ... الخ.
وقف الرئيس عاجزا عن تنظيم حوار شامل، بدا غير قادر حتى على تمرير نتائج الحوار الجزئي، فأصبح مرغما على المجازفة بالتوجه نحو استفتاء شعبي مشكوك في شرعيته وغير مضمون النتائج! حتى التوازن الذي اتسم به الرئيس في خرجاته الاعلامية السابقة، كاد أن يغيب في المؤتمر الصحفي الأخير الذي لم يحترم فيه الرئيس حتى خليفته المنتظر حين كشف تصميمه على تغيير الدستور خلال مأمورية الرئيس القادم! وبعد ذلك يستمر بعضهم بمكر في طرح السؤال المضلل: ما الذي يحصل للرئيس؟ بينما السؤال السليم الذي ينبغي طرحه في مثل هذه الوضعية هو: من لديه المصلحة في ما آل إليه حال الرئيس؟ لأننا أمام تحالف موضوعي بين معارضة داخلية وخارجية مصممة بكل ما أوتيت من قوة على "شوشرة" الرئيس قبل إسقاطه، وبين مقربين من الرئيس لا يجدون وسيلة لشغله عن محاسبتهم والتخلص منهم، أفضل من خلق المتاعب له وعزله أكثر فأكثر عن منافسيهم المحتملين وحتى عن الواقع!
يظهر دور المعارضة ضمن هذا التحالف من خلال الأقوال والأفعال العلنية، بينما يلمس دور المقربين من الرئيس عبر نتائج جهودهم والنجاحات الباهرة التي حققوها في مجالات مختلفة: استفزاز المعارضة لقطع الطريق أمام الحوار الشامل، استفزاز برلماني الأغلبية لمنع تمرير التعديلات عبر البرلمان، حرمان الرئيس من أداة سياسية ناجعة للدفاع عنه، تدمير الادارة والتلاعب بجميع المشاريع لكي لا تحقق أهدافها ... الخ.
والنتيجة أن الرئيس ظهر في مؤتمره الصحفي الأخير –كما جرى التخطيط له تماما_ متمسكا حتى النهاية بالمقربين منه بحجة "أننا لن نسمح للآخرين باستغلالنا"، أي أن الرئيس لم يسقط في الفخ فقط بل تقبل هذا السقوط وكأنه أفضل الحلول المتاحة ولسان حاله يكرر: أن يستغلنا المقربون منا أفضل من أن يستغلنا الخصوم!
فهنيئا لفريق الرئيس على كسب أولى جولات الشوط الأول وهنيئا للمعارضة التي نجحت في تجنيد أقرب معاوني الرئيس!.