(تعقيب على مداخلة الشيخ عمر الفتح)
روى الإمامان البخاري ومسلم من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى. فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ. فَيَقُولُونَ: يَا فُلانُ! مَا لَكَ؟ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ: بَلَى. قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلا آتِيهِ، وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ».
تذكرت هذا الحديث الشريف وأنا أتابع مداخلة عضو مجلس الشيوخ عمر الفتح ولد سيدي عبد القادر أثناء مداولات الغرفة لمقترح تعديل مواد من الدستور.
لقد أسهب "الداعية الرباني" في الوعظ ـ والتأثر والخشوع على قسماته ـ فدعى الأمة إلى الإتصاف بالأمانة واحترام المقدسات وتبجيل العلماء. وكل ذالك لعمري أمور لا خلاف عليها. غير أن المفارقة تكمن في أن سلوك هذا الرجل (داعية الأمانة) يمثل مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُبْصِرُ أحَدُكُمُ الْقَذَاةَ في عَيْنِ أخِيهِ، وَيَنْسَى الْجِذْعَ فِي عَيْنهِ». كما أنه ـ وهو الداعي إلى احترام العلماء ـ ينتمي إلى حركة درجت على سب العلماء الزاهدين الربانيين وعلى شتمهم والسخرية منهم ونعتهم بأبشع الأوصاف.
أود والحالة هذه أن أحيل إلى السيناتور (منتهي الصلاحية) بعض الأسئلة التي تطرح نفسها:
- ألستَ من أدار المؤسسات الوهمية التي لا صلة لها بالواقع، ولا توجد إلا على الورق؟ وذالك من أجل جلب التمويلات واستدرار النقود.
- هل كان مركز تأهيل الحفاظ في موريتانيا إلا أسطورة وهمية اتخذتها وسيلة للإحتيال على أموال المحسنين الخليجيين؟
ليكن في علمك أن لدي نسخا من مراسلات هذا المركز وغيره من مراكز الإخوان الوهمية، ونسخا من وثائقه المتضمنة رواتب تلك الوظائف المزيفة، وفواتير الماء والكهرباء وتكاليف الإعاشة. ولم أكن أرغب في نشرها بسبب وجود أسماء لأشخاص أعتبر أنهم أبرياء.
- هل كانت الندوات والمؤتمرات التي تعقدها جمعية التعاون للأعمال الخيرية التي تديرها إلا تدليسا وبثا للأوهام من أجل الحصول على حطام الدنيا تحت يافطة "محاربة التمدد الشيعي"؟
- هل كانت الأربعون ألف شيعي التي زعمتَ أنها توجد في موريتانيا إلا وسيلة للتسول واستدرارا للأموال؟ مع ما يرافق ذلك من تشويه لسمعة الوطن ببث أخبار مغلوطة تسعى لتفكيك وحدة شعب منَّ الله عليه بهوية إسلامية موحدة وبغياب تام للتعددية الدينية والمذهبية.
- أين اختفت الأموال الطائلة التي قدمها أحد المحسنين للشعب الموريتاني عن طريق الندوة العالمية للشباب الإسلامي الإخوانية، بهدف حفر الآبار وبناء المساجد؟ ألم يعتذر نائب رئيس مجلس شورى حزب تواصل عن تحمل مسؤليتها فأسند الإخوان التسيير لأفراد أنت أدرى بهم، وبعد خصم نسبة ثمانية عشر بالمائة لصالح الندوة وعشرة بالمائة لتمويل أنشطة الحركة تم اختفاء الباقي.
- أين ذهب المبلغ الذي يناهز مائة مليون أوقية والذي كان مخصصا لبناء مسجد الشرفاء مقدما من طرف المحسن السعودي فهد العساكر؟
- أين اختفى أول تمويل حصل عليه الموقع؟
- ألم تتذرع بأنه أنفق لصالح حملة جميل منصور، ثم تناقض ذاتك بعد ذالك قائلا إن بعض هذه المبالغ أخذه العلامة الددو لشراء تذاكر لأسرته؟ ألا يعتبر اتهامك الصريح للعلامة بأخذ المبالغ (وهو لم يأخذها حقيقة) تطاولا وإساءة؟
إن كل ذالك موثق بالتفاصيل، إضافة إلى شهادة زملائك من قادة ورموز الحركة.
إن مسجد شجرة الأنبياء الذي يقدمه السيناتور للمحسنين تارة مقرا لمركز تأهيل الحفاظ في موريتانيا، وطورا مقرا لجمعية التعاون للأعمال الخيرية، وتارة أخرى على أنه مقر لجمعية الصداقة الموريتانية السودانية، قد حوله عمر الفتح إلى غرفة عمليات للمتاجرة بالدين ومقرا يمارس فيه أبشع أنواع التحايل والتدليس. ومع أن هذه التقلبات تعتبر مدرة للدخل بالنسبة للإخوان لكنها في نفس الوقت نسفت السمعة والمكانة المرموقة التي كانت تتبوؤها موريتانيا في مشارق الأرض ومغاربها.
خصص الإمام عمر الفتح جزءا من ساحة المسجد لدكاكين يضع دخلها في جيبه. ومع أنه يتقاضى راتبا من مجلس الشيوخ، وراتبا على إدارته لمركز تأهيل الحفاظ المزعوم، وراتبا على إمامته للمسجد، ويستأثر لنفسه بدخل دكاكين المسجد، لم يقتطع شيئا من هذه الرواتب لنظافة دورات مياه المسجد التي تعيش وضعا مزريا. هل هذا من تعظيم شعائر الله؟ (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ). وفي الوقت الذي يراسل فيه الهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم ويؤكد لها أنه يدفع فاتورة الماء والكهرباء شهريا، فإن أسرة موريتانية معروفة كانت تتكفل حينها بتسديد فاتورة الماء والكهرباء وراتب الإمام والمؤذن!!!
تحدث السيناتور عن التطاول على الشيخ محمد الحسن ولد الددو، وكأنه لا يدري أن الجماعة التي ينتمي إليها وينتمي إليها الددو نفسه هي أكثر الجماعات إساءة إليه (يصفونه بالكذب والظلم والجنون وضعف الشخصية، ويسخرون منه، ويتبجحون بأنهم صنعوه بأيديهم) وإن كانوا يظهرون له عكس ذالك لأنهم يستغلونه لمآربهم. فمثلهم كمثل من يعبد صنما وجه النهار ثم يأكله إذا حل الظلام.
ثم إن إقحام شخص غير معصوم بين كتاب الله العزيز الذي (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) ورسوله صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين، والصحابة العدول رضي الله عنهم وعده مع أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه الذي كان يرتدي مرقعة ولم يكن له قصر ولا حارس ولا بواب. كل ذالك أمر خطير وغلو وإطراء. هذا إذا صدر من شخص ورع أمين زاهد يتورع عن أخذ المال من حله.
إن دفاع عمر الفتح عن العلامة الددو لم يكن أبدا خالصا لوجه الله بقدر ما هو دفاع عن من يحميه من بطش الحركة ويشفع له عندها كلما حشر في زاوية ضيقة وموقف مذل بسبب الإختلاس والفساد والديون.
لم يسجل التاريخ الحديث للحركات السياسية في موريتانيا على اختلاف مشاربها (من يساريين ـ وقوميين ـ وليبراليين) إلا احترام العلماء وتجنب الإساءة إليهم، حتى ظهرت جماعة الإخوان فبدأ قادتها ورموزها وعامتها يتفننون في الإساءة إلى العلماء الربانيين الزاهدين المسالمين. فمن وصفهم بعمائم السوء إلى نعتهم بالمحمرة أشداقهم من مرق السلطان. إلى غير ذلك مما لا يسعني ولا يسعك حصره.
كم من إساءة أساؤوا إلى العلامة الورع الزاهد محمد سالم ولد عدود رحمه الله وإلى العلامة أحمدو ولد لمرابط والشيخ حمدا والشيخ محمد ولد سيدي يحي... وغيرهم. حتى بات سب العلماء وحتى هجاؤهم على منابر الإخوان أمرا عاديا وسنة متبعة. ويتذكر عمر الفتح جيدا قصته مع العلامة محمد سالم ولد عدود رحمه الله كما يتذكرها الددو نفسه.
إن تقمص عمر الفتح لشخصية المدافع عن المقدسات يعد ضربا من السخرية. فمتى كان الإخوان في صف المدافعين عن الدين؟
- هل حركوا ساكنا عندما تم التطاول على ذات الإله العلية؟
- ألم يحاول أحد علمائهم الدفاع عن المسيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مشككا في ردته؟
- ألم يحاولوا التأثير على الحراك العفوي لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم وربط هذا الحراك بالمخابرات أو ما سموه "جهات أمنية"؟
إن من هذه سيرته وسيرة رهطه لحري به أن يبدأ بنفسه فيزجرها قبل أن يدور في النار كما يدور الحمار برحاه.
عبد الله ولد محمد لوليد