أدب الطفل ومكانته في المجتمع الموريتاني !

كلنا يعلم ان الطفولة في مختلف محطاتها هي مرحلة مفصلية دقيقة وحساسة في حياة الشخص، ففيها تتشكل المواهب وتنمو الملكات ، ويتم بناء شخصية الإنسان ويصار إلى تنشئته الاجتماعية ، ويعمل على أقلمته مع قواعد ومتطلبات العيش في المجتمع ، بحيث يتشرب من المثل العليا و القيم الاجتماعية والروحية والخصائص الثقافية والحضارية للمجتمع الذي ينتمي إليه .
كل هذا يقتضي تخطيطا ممنهجا يعتمد على مقاربات قويمة وبرامج محكمة ذات ابعاد مختلفة ، تشمل التنشئة الاجتماعية والتربية ، وشحذ المواهب وتنمية المدارك وصولا إلى بلورة المواهب والقدرات العقلية والاحساس بالمسؤولية الاجتماعية لدى الطفل، إضافة إلى رفع الحس النقدي وخلق الذائقة الجمالية عنده .
ذلك إن كل هذه العناصر هي العوامل الضرورية والمرتكزات الأساسية التى تنتبني عليها الثقافة وتقوم عليها المعرفة التى هي قوام التقدم العلمي والنمو الاقتصادي والرقي الاجتماعي للامم .
وغني عن البيان أن الثقافة التى ينبغي تقديمها للطفل ، لها مواصفات وخصائص مميزة يلزم ان تتماشى وميول الأطفال النفسية واهتماماتهم الخاصة وقدراتهم الذهنية المغايرة وتطلعاتهم المميزة ، وذائقتهم المتفردة .
حيث ان هذا أجدر بأن يشد انتباههم وان يجذبهم نحو التعلم والاستفادة والتحصيل .
وعليه فلابد من إعداد كتب مصممة خصيصا للاطفال من حيث الشكل والمحتوى ، ذلك ان تصميم وإعداد كتب للأطفال يعتمد تقنيات خاصة واساليب مميزة ، فمن الضروري مراعاة المحتوى المعرفي والمستوى اللغوي في إنجاز هذه الكتب ، حتى تكون منسجمة مع القدرات الاستيعابية للطفل واهتمامه وميوله وإلا رغب الطفل عن هذه الكتب وزهد في السعي إلى التعلم والتحصيل بوجه عام .
ومن الضروري كذلك بلورة وترقية برامج إذاعية وتلفزيونية ومسرحية خاصة بالاطفال تخاطبهم على قدر مداركهم وتراعي خصائصهم النفسية والوجدانية المغايرة لما هو موجود لدى الراشدين .
كما أن من أهم وسائل مخاطبة الاطفال وتربيتهم وتوجيههم وغرس المثل الاخلاقية في نفوسهم وتعليمهم المسلكيات المدنية والحضارية القويمة هي صحافة الاطفال بكل تمظهراتها واشكالها وكذا افلام الرسوم المتحركة المستمدة من خصائصنا الحضارية .في هذا المضمار لا بد من الاشارة على أن كتابنا وأدباءنا وصحفيينا وسينمائينا لم يعيروا أطفالنا ما يستحقونه من عناية واهتمام ، ونتيجة لذلك تندر في مشهدنا الثقافي كتب الاطفال وصحافة الأطفال وافلام الأطفال.فاطفالنا متعطشون إلى كتب ومجلات وصحافة موجهة إليهم دون غيرهم
فلا وجود مع الأسف لكتب معدة لرياض الأطفال ، ولا وجود للاهتمام بالمستوى الماقبل مدرسي ) ( le préscolaire في البلاد .
وليس من بين سينمائيينا من صرف عنايته لإنتاج أفلام لأطفال ، وإن هو أراد ان يفعل ، فلن يجد من يتولى تحمل تكاليف انتاج وتوزيع هذه الأفلام .
وعموما يمكن القول بأن مجتمعنا مقصر إلى أبعد الحدود في الاهتمام بالطفل وفيما يتصل ببناء العقول وشحذ المواهب وتحفيز العبقريات لدى الناشئة بشكل عام .
وليس من شأن هذا الوضع أن يساعد على إرساء أسس مجتمع المعرفة ، وعلى ردم الهوة في مجالي الثقافة والرقمنة المفضمين إلى التطور العلمي والتكنلوجي والرقي الاقتصادي والسوسيوثقافي .
وأود قبل أن انهي كلمتي هذه أن اشير إلى أني شخصيا واع لهذه الاشكالية الكبيرة ومدرك لما لها من تداعيات وتجليات سلبية وهذا هو ما جعلني أقوم بإنتاج بعض الكتب للاطفال باللغات العربية والفرنسية والانجليزية .
أذكر منها على سبيل المثال :
11 ـ كتاب ” هيا نقرأ يا أولاد ” وهوكتاب من جزئين أعددته لرياض الاطفال ، حيث لايوجد في البلاد كتاب واحد يمكن أن تعتمده وتركن إليه .
22 ـ كتاب ” من قصص الحيوان ” وهو كتاب يلقي بعض الاضاءات على المجتمع الموريتاني وما يسود فيه من عادات وممارسات غير مرضية ينبغي التخلص منها وهو كتاب موجه لليافعين والمراهقين .
3 ـ كتاب بالفرنسية بعنوان : ” Causeries sur la Mauritanie ” ونفس الكتاب بالغة الاكليزية بعنوان : Talks about Mauritania
وهما كتابان موجهان للشباب ويستهدفان التعريف بالمجتمع الموريتاني. وفي الوقت الذيتم فيه إغفال وتجاهل هذين الكتابين من طرف الجهات المعنية بالثقافة والتعليم في البلاد ،قررت المدرسة الآمريكية بنواكشوط تدريس هذا الكتاب لطلابها وتكريم مؤلفه .
وعلى العموم .
أعتقد ان هذه الوضعية القائمة اليوم غير طبيعية ، وان اهمال الطفل وعدم انتاج الثقافة الضرورية لتنشئته الاجتماعية والنهوض بقدراته الذهنية والارتقاء بملكاته ومواهبه الكامنة وتحفيز عبقريته الخلاقة إنما يشكل تفريطا في أجيال البلاد الصاعدة ويمثل تقصيرا ملاحظا في توظيف واستثمار مواردها البشرية ، وهذا ما ينبغي تداركه بالسرعة المستطاعة تفاديا لما قد ينجر عنه من تداعيات سلبية قد تطال مختلف أوجه الحياة في الوطن .

الدكتور محمد الأمين ولد الكتاب