انتفضت الشعوب...ثارت الشعوب...انطلق المارد من القمقم.....انتهى عصر الأحادية والدكتاتورية...شعارات من بين أخرى , طبّل لها البعض , وغنى لها البعض, دون وعيٍ أو إدراك أو حتى تفكير في مآلاتها وما يمكن أن ينتج عنها.
لقد حاول كثير من ساستنا ركوب تلك الموجة العاتية , موجة ما يسمى "بالربيع العربي"- الذي تباح باسمه دماء العرب ففي الوقت الذي اكتب فيه هذه الحروف يراق دم السوريين وتتطاير أشلاؤهم بصواريخ المعتوه الترامب -دون معرفة بمخاطر ذلك "تسونامي" المدمر , تدفعه نظرة ضيقة , ومصالح شخصية آنية , وتكتيك لا يستند لاستراتيجية وطنية تقود سفينة البلد لبر الأمان والنجاة من الغرق.
وفي تلك المرحلة العصيبة التي مرت بها بلادنا كان هناك رجالٌ أوفياء وساسة محنكون , وقادة مُجربون ,موالون ومعارضون , استطاعوا ـ على الاقل ـ السيطرة على توازن السفينة حتى هدأت العاصفة , هذه حقيقة لا مِراء فيها , ولا يجحدها الا مُكابر.
وبالرجوع الى وضع الدول العربية وحال الشعوب المؤلم والمحزن والتي للأسف الشديد احتقرت الحكام - رغم أنهم طغاة - وهبت دون سابق انذار ودون وعي للخطر المحدق بها من ويلات وحروب ووسط بيئات وأرضيات تركها المستعمر هشة ومنزوعة المخالب ،فتغذت جيوب حركات وخلايا كانت نائمة وخائفة من بطش هؤلاء الحكام وازدادت حدة شوكة الارهاب الذي هو صنيعة ظلم المستعمرات نفسها ,وتلاقحَ ما بين مشردي عالم الظلام والظلم و التيه والمخدرات ،فكثرت الصراعات والحروب واخذت منحى طائفيا مدمرا وخاصة في بلدان ما سموه ــ زورا ــ "بالربيع العربي" الذي ليس له من اسمه نصيب , لقد خرَّب هؤلاء الغوغائيون كل أزهار وورود ورياحين الربيع , لذا بات لزاما علينا في بلدنا ,والذي ظل ولله
الحمد بفضل قوة تماسك نسيجه الاجتماعي وتمسكه بدينه ووعي أبنائه المخلصين , ظل بعيدا عن هذه العاصفة العاتية , أن نعيَ المخاطر ونتمسك بالثوابت الوطنية وبالمصالح العليا , ولا بأس أن نختلف في الاساليب لا في الاهداف.
لكنَّ كلما جرى يثير تساؤلات ويطرح اشكالات ،فهل من المعقول في خضم هذه الظروف وهذه الظرفية المضطربة ، وتحت خيبة هذه التجارب من حولنا والتي شاهدنا نتائجها وعشناها جميعا , أن نثير الخلافات مجددا ونأجج نار الصراع بين الفاعلين السياسيين من جهة وبين صانعي القرار في هذا البلد , ورغم الظلم والالم والمرارة , ورغم الغمام الذي يحجب شمس النهوض ,كأننا بأيدينا نود أن نجوعَ ونظلم لا بأيادي غيرنا...
ومن هنا فإنني أقول وأكرر أن بإمكاننا جميعا أن نَنْأى ببلدنا حتى يصل الى بر الأمان...ونتصالح مع أنفسنا ونسعى الى المصالحة الشاملة بين النظام والمعارضة كبديل عن تصاعد مؤشر الخلاف و التطرف ودعوات المتربصين بسلم هذا البلد، وبعدها نسعى الى التغيير السلمي الجاد ونؤسس لتجربة ومؤسسات ديمقراطية واعية تراعي خصوصيتنا , بعيدا عن الثكنات العسكرية وحديث المدافع , بالرغم من أنه ـ حسب رأيي ـ لا يجادل اثنان في أن هؤلاء الجنرالات ــ بالإضافة الى بصيص الحرية الذي ساعدت فيه التكنلوجياــ قد تنفس الشعب الموريتاني في ظل حكمهم الصعداء بعد أن قَيّدتْ حريتَه أحكامٌ كمّمت الافواه ونشرت الفساد وبنت أكاديميات لمفسدين ما زالوا أساتذة يدرسون الفساد لحد اللحظة ويُخرِّجون اجيال المفسدين.
والحق يقال إنه وبفضل هؤلاء الجنرالات ـ ولأول مرة ـ وبعد 577 عاما من الاستقلال ,أصبح لنا مطار دولي يضاهي مطارات العالم المتطور ومباني حكومية شاهقة بهندسة عمرانية عصرية ومستشفيات متخصصة في جميع المجالات , وجامعات وبنى تحتية تم إنجازها في زمن قياسي.
وكلمة اخيرة أوجهها الى كل مَن يدعو للفتنة ويسعى لها بقلمه او من فوق منبره ,أن عليه ألا ينسى أنّات أطفال سوريا وتسكع بنات الشام وتهاوي مآذن الرشيد ونَوح حضارة سبأ , وأنهم أصبحوا عبرة لكل من يعتبر...حافظوا على سفينة وطنكم من الغرق , ولا تدعوا شرارة الفتن تصل الى بلدكم , فإنها إن وصلت ـ لا قدر الله ـ ستحرق كل شيء وتدمر كل شيء , وعندها ستندمون ولاتَ لا ينفع الندم.
نقلا من صفحة الكاتبة الموريتانية الزهراء نرجس