شهادة في حق المرحوم الرئيس الأسبق والقائد العسكري الشجاع اعل ولد محمد فال

كان أول لقاء مطول لي بالمرحوم الرئيس الاسبق اعلي ولد محمد فال عام 1992 عندما كان مديرا للأمن الوطني، يوم دخلت عليه مكتبه بوساطة من السياسي والوجيه سيدي ولد الداهي، فاستقبلني -وأنا الجندي البسيط محمد سالم ولد الهيبة- ببشاشته المعهودة وأخلاقه العالية جدا، وخلال الحديث لمست في الرجل وطنيته التي لا يمكن أن يزايد عليها أحد، ووضوح رؤيته، وتناسق أفكاره.. ولم أوفق في لقائه بعد ذالك بشكل مطول في أي من مراحل حياته اللاحقة، رغم أننا تقابلنا كثيرا في المهرجانات والمؤتمرات الصحفية واللقاءات الخاطفة.

كان رحمه الله رجلا عظيما في حياته السياسية والعسكرية، وأنا أكثر الناس دراية به بحكم التجربة الصعبة التي عشتها معه في حرب الصحراء، يومها كنت ضابط صف، وكان هو ملازما، أظهر في مواقع كثيرة من تلك الحرب أنه رجل حرب كما هو رجل سلام لاحقا.

رأيته أول مرة في معركة "ام ادريكه" قرب "اصماميط" التي كان اعلي بطلها بامتياز، عندما طلب منا المرحوم "كادير" إنقاذ طيار مغربي اسقطت طائرته، فتجاوزنا الملازم اعلي في ثلاث سيارات لمكان سقوط الطائرة، كان واقفا خلف بندقيته يضرب العدو، وتعرضت إحدى سياراته للقصف واستشهد عدد من الجنود كانوا على متنها، وجرح آخرون، لكن اعلي واصل تحركه باتجاه الطائرة المغربية لإنقاذ طيارها.

شهود هذه الواقعة الرئيس السابق محمد خونه ولد هيدالة، قائد المعركة، ونائبه شيخ مقاطعة امبان العقيد السابق جوب، والنقيب ابريكه ولد امبارك، والمفارقة العجيبة أن ولد محمد فال انتقل الى الرفيق الاعلى في نفس المنطقة التي قاد فيها معارك بطولية، منطقة أم ادريكه،.

تميز أداء الفقيد الرئيس الأسبق والقائد العسكري الشجاع في حرب الصحراء بالشجاعة والإقدام والمثابرة، ولعل رفاقه في السلاح ومنهم كثيرون ما يزالون على قيد الحياة، يحتفظون في ذاكرتهم بالكثير من الذكريات عن خصال ومآثر وبطولات القائد البطل والرئيس الأسبق اعلي ولد محمد فال.

في عهده السياسي كان الرئيس الأسبق أول من رفع رواتب القضاة بنسبة 200% والعمال بنسبة 100% في تاريخ البلاد، وشهدت فترة حكمه التي استمرت أقل من عامين اتساع هامش الحريات الفردية والجماعية، وأشرف على تنظيم أول انتخابات تعددية نزيهة بشهادة الجميع في موريتانيا منذ العام 1960.

كما شهدت تلك الفترة تطورا غير مسبوق في مسار العملية السياسية مما بوأ موريتانيا مكانة رفيعة في المجتمع الدولي، نتيجة حكمة الفقيد وسعة ثقافته.

وعندما انخرط في صفوف المعارضة ما كان يبغي أكثر من استقرار موريتانيا وتنميتها، بعيدا الطمع في المنصب أو الجاه أو السلطة.

وكشف الإقبال غير المسبوق على جنازة الفقيد اعلي مكانة الرجل في نفوس الموريتانيين قمة وقاعدة، وعلماء ونخبة سياسية ومثقفين، ممن اكتشفوا متأخرين للأسف أنه من معدن نادر جدا، وإنه فريد في حكمته وأفكاره، وإن وفاته كانت خسارة لموريتانيا والمنطقة والعالم ككل...

وبالمحصلة فإنني بصفتي مواطنا مخلصا لهذا البلد أناشد رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز وزعماء المعارضة والأغلبية أن يضعوا ايديهم في أيدي بعض ويتحاوروا لإنقاذ موريتانيا تخليدا لمآثر الفقيد اعلي وعرفانا بدوره في الحفاظ على أمن البلاد، وسعيه الدؤوب نحو الاستقرار والتنمية، بعيدا عن العنف والتلويح بالحروب الأهلية والصراعات التي دمرت دولا وشردت شعوبا كاملة.

جندي متقاعد ورئيس مجموعة أتلانتيك ميديا الإخبارية

محمد سالم ولد الهيبة