مما لا شك فيه أن التعليم الخصوصي ينظر إليه على أساس أنه عامل مساعد وعنصر مكمل للتعليم العمومي لما له من خلق للتنافسية الإيجابية والتحفيز على الجودة العالية؛
لكن في بلادنا لم يكن التعليم الخصوصي خلاقا للجودة ولا محفزا إيجابيا وإنما كان أداة هدم للتعليم العمومي من خلال مجموعة من العوامل منها مثالا لا حصرا:
-تبديد جهد المدرسين:
إن من أظهر عوامل هدم التعليم التشويش على المدرسين في المدارس النظامية
وجرهم إلى تعاقدات غير معلنة يكون الضحية فيها ذلك التلميذ البريء سواء
كان في النظامي أم في الخصوصي، ففي النظامي لا يجد التلميذ ساعات التدريس
الكافية ولا التركيز المطلوب في المدرس و لا المتابعة الكفيلة بتحقيق
التعلم النوعي؛ لأن الوقت والجهد متقاسمين مع مدارس أخرى؛ وطبعا قسمة
ضيزي، لأن التركيز والجهد إن وجد منهما شيء سيوجه أكثر إلى المدارس
الحرة؛ لأنها تدفع مقابل الساعة، لكنها تدفع لمن!؟؛ لذلك المدرس الذي
تخلف عن تلامذته أو تحايل على حصصهم أو بذل جهدا مضنيا وقت الراحة؛
وأوقات الراحة طبعا لا تعوض بأوقات العمل.
-إجراء ولد ميتا:
لقد سبق وأن حاولت إدارة المصادر البشرية بوزارة التهذيب السيطرة على
الوضعية من خلال الوقوف على لوائح المدرسين في المدارس الحرة لكنها عجزت
بفعل التحايل وتحويل الأسماء والمغالطات من أجل التغطية على المدرسين
النظاميين الذين تقف على جهدهم حقيقة التدريس في المدارس الحرة.
-فوضى المناهج التربوية:
إن من أدوات الهدم التي تعرض لها التعليم؛ عدم تقيد التعليم الخصوصي
بالمنهج التربوي المعد من طرف هيئات الاختصاص بوزارة التهذيب والمعمول به
رسميا في مدارس الدولة؛ فمثلا يعتمد نظام التعليم في الجمهورية الإسلامية
الموريتانية على منهجية خاصة تحدد آلية العمل وتوزيع البرنامج الذي يمنع
تدريس اللغة الفرنسية على السنة الأولى ابتدائية ويكتفي بتدريس ست ساعات
فقط في السنة الثانية ابتدائية، لاعتبارات معينة، بينما نجد في الوقت
ذاته كثير من المدارس الحرة تعمد إلى تدريس أربع عشرة ساعة من اللغة
الفرنسية للسنة الأولى ابتدائية، دون التقيد بالمنهج المنجز من طرف
الوزارة عن طريق المعهد التربوي الوطني، بل منهم من يدرس مناهج بعيدة كل
البعد عن ثقافتنا وتشبعنا وميولنا الديني.
إن إعداد أي منهج تربوي تُراعى فيه مجموعة من الاعتبارات والخصوصيات يعهد
بها عادة إلى ذوي الاختصاص؛ الذين لا ينبغي القفز على إنتاجهم الذي بُذل
فيه جهد فكري كبير وطاقة مادية هائلة؛ بدءا بإعداد المناهج؛ انطلاقا من
التصور إلى الإخراج، بل بالأحرى؛ الإيصال إلى يد التلميذ في مختلف
مقاطعات الوطن.
-الاعتماد على أفكار غير الخبراء:
لقد ضرب كثير من رعاة المدارس الحرة عرض الحائط بكل تلك العصارات الفكرية
و الجهود المادية والمعنوية المبذولة في إعداد الكتب وطباعتها وتوفيرها
بطريقة رمزية؛ خدمة للعملية التربوية وصاروا يدرسون مناهج فردية في أحسن
حالاتها تكون مذكرات تفتقر إلى الشمولية والدقة في الإحاطة والمعالجة؛
وطبعا يرغمون التلاميذ التابعين لهم على تصويرها عند وراقات محددة وضعوها
في هذه المدارس أو بجوارها استزادة في التربح والمغنم!!؛
-تزوير نتائج التلاميذ لضمان الولاء والاستمرار:
لا تقل خطورة تزوير نتائج التلاميذ عن ما تقدم ذكره من سلبيات؛ وطبعا
يخيل إلى الأهالي دوما أن أبناءهم المسجلين في المدارس الحرة من النابهين
والمثاليين، وهو وهم وزيف لا يدركونه غالبا إلا إذا اصطدم أبناؤهم مع
أجواء المسابقات، وأقول المسابقات أو الامتحانات التي تحمل نفس الخصائص
كشهادة ختم الدروس الإعدادية أو الباكلوريا وكان ذلك بعيدا عن تدبير
أولئك المستثمرين في هذه اللعبة الكبرى؛ الذين غالبا ما ينجحون في توزيع
التلاميذ فاقدي المستويات بين النابهين من أجل حملهم إلى التجاوز والحصول
على الشهادات واستمرار المغالطة.؟!.
-إيجابية القرار:
كل ما تقدم يجعل من القرار أو المقترح الذي تقدمت به الحكومة أكثر من
إيجابي إذا تم التخطيط الجيد للولوج إليه؛ وتم تجاوز الأصوات المعارضة له
داخل القطاع والتي تنحصر في المستثمرين المنافحين عن روافد ريعهم منه
وتربحهم على حساب الوطن *المنهوب*؛بهكذا سلوك، والمواطن *المقهور* بهكذا
أسلوب.. معروف أن هذا القرار قسّم الفاعلين في الحقل التربوي إلى
فسطاطين:
-فسطاط تأييد ومساندة وتحمس للفكرة لما لها من إيجابية ولما للتنظير في
هذا التيار من براءة الذمة الاستثمارية ونظافة الأيدي من التلطخ.
– الفسطاط الثاني فسطاط رفض هذا المقترح جملة وتفصيلا لكونه يهدد
المصالح الاستثمارية لهؤلاء النشطين في المجال الخصوصي للتعليم.
إجراءات ضرورية لنجاح الخطوة وضمان إيجابية القرار:
قبل أن ترسو سفينة القرار الحكومي على أحد الشاطئين المختلفين ويتضح
انتصار رواد الاستثمار أم حصول العكس ومباركة خيار دعاة الوطنية ومتحرري
الأفكار؛ يجب الابتدار بخطوات من قبيل بناء حجرات إضافية في كل مدرسة
ابتدائية ودمج العقدويين أو زيادة نسبتهم واحتواء المؤهلين من المدرسين
والإداريين في التعليم الخاص؛ مع أن أغلب المشتغلين في هذا المجال هم
وافدون من التعليم العمومي بصورة مؤقتة؛ المهم أن يحدث التخطيط الجيد،
والتنظيم المحكم، والصرامة في تطبيق القرار؛ إن هو اعتمد والمضي قدما في
تنفيذه.