المثقف والمجتمع …… أي علاقة؟؟؟

ختلف المثقف اختلافا جذريا عن الفرد العامي من المجتمع، يختلف من حيث القناعات، من حيث العلاقات، من حيث المهارات، من حيث أساليب التفكير .. لذلك فمن المؤكد أن تفاعل كل منهما مع المجتمع يختلف عن الآخر. إن المثقف -بغض النظر عن مصدر ثقافته أو نوعيتها- هو الأميل دائما إلى النقد والتشكيك والتساؤل والرفض في كل ما يتعلق بمجتمعه من عادات وتقاليد وعقليات، وعليه يمكن الجزم بوجود صراع مستمر بينه وبين مجتمعه ، ولربما تحول ذلك الصراع إلى قطيعة في بعض القضايا الحساسة. بيد أن ذلك لا يعني بالضرورة وقوف جميع المثقفين في نفس المسافة من مجتمعاتهم، حيث يخلق تنوع المشارب الثقافية والفكرية لهؤلاء المثقفين تباينا في المواقف وفي التفاعل مع مجتمعاتهم، فالذين يستندون إلى خلفيات إيديولوجية بحتة يكونون في الغالب أقرب إلى التشدد وتجاوز الحد المعقول في نقد المجتمع، بينما يكون الصراع مع المجتمع أخف حدة عند المثقفين الذين ينطلقون من تعاليم الإسلام السمحة. ذلك أن المجتمعات العربية والإسلامية (وهي مجال حديثنا) تستند هي الأخرى في الكثير من عاداتها وتقاليدها وعقلياتها إلى التعاليم الإسلامية، مع وجود شوائب خطيرة جدا لا علاقة لها بالإسلام الحنيف. فيما إذا اعتبرنا -مثلا- أحد المجتمعات الغربية مجالا لحديثنا فإنه قطعا لا وجه للمقارنة بين مثقفينا ومثقفيهم من حيث علاقتهم بالمجتمع، هذا إن لم نقل بأن “كل أفراد مجتمعاتهم مثقفون” إن هذا الاختلاف الجذري في نوعية المثقفين بيننا وبين الغرب لا يعود -في اعتقادي- إلى تنوع المجتمعات فحسب، بل يعود أساسا إلى أن “سلطة المجتمع” التي نعرفها في مجتمعاتنا العربية والإسلامية شبه منتفية عند المجتمعات الغربية. بعيدا عن ذلك.. لقد كان التغيير العميق الذي صنعه النبي (صلى الله عليه وسلم) وصحابته الكرام في مجتمع قريش وفي أمصار العالم من بعد ذلك دليلا عمليا على أن صناعة التغيير والإصلاح لا تكون بالقطيعة التامة مع المجتمع، بل بتجذير العلاقة معه دون انجرار وراء عقلياته وممارساته الباطلة. إن القطيعة مع المجتمع تسد كل أبواب التغيير والإصلاح، وإن على المثقف الواعي أن يحرص على علاقة وسطية مع المجتمع لا قطيعة فيها ولا ذوبان.

سعد الدين / ابوه