دساتير في الدولاب معطلة / شيخنا ولد الداه

يقوم الدستور بوضع القواعد الأساسية للدولة وفقا لأوضاعها السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية وقت صدوره وتبدأ الدولة بتأسيس نظام ديمقراطي على أساس ذلك وهو بالتالي ينظم العلاقات و المسؤوليات بين المؤسسات ( أي السلطات الثلاثة ) بحيث لا تستبد إحداهما بأمور الدولة . ويطلق مصطلح الديمقراطية لوصف نظام الحكم في دولة ديمقراطية، أو بمعنى أخر لوصف ثقافة مجتمع. و الديمقراطية بهذا المعنى هي نظام اجتماعي مميز يسير عليه المجتمع و يشير إلى ثقافة سياسية و أخلاقية معينة فيها مفاهيم تتعلق بضرورة تداول السلطة سلميا و بصورة دورية و السيادة فيها ملكا للشعب، فهل وصلنا في موريتانيا إلى هذه المرحلة؟

منذ إعلان الجمهورية الإسلامية الموريتانية في سنة 1958م في مؤتمر ألاك و استقلالها السياسي في 28 نوفمبر 1960م صدر دستوران الأول كان بتاريخ 12 مايو 1960م و الثاني في 20 يوليو 1991م.

وأعلن في ديباجة هذه الدساتير المذكورة أعلاه أن موريتانيا جمهورية إسلامية لا تتجزأ و أن الشعب هو مصدر كل سلطة و أن السيادة الوطنية ملك للشعب يمارسها عن طريق ممثليه المنتخبين عن طريق الاستفتاء، وهي ديباجة للأسف مضمونها زائف منذ الاستقلال حتى الآن، فالأنظمة المتعاقبة قامت بتعزيز موقعها من خلال كتابة هذه الدساتير التي كانت دساتير في الدولاب معطلة من أجل تجميع و احتكار السلطة على حساب سيادة الشعب المزعومة و أصبح جليا أنها أعدت آنذاك بهدف تثبيت الأحكام الأحادية المدنية و العسكرية، إذ ظهرت ظاهرة التلاعب التعسفي و التحكم في الدساتير من طرف الأنظمة المتعاقبة و اتضح أن هذا الداء السياسي كان الأكثر خطورة حيث أظهر وجود اندفاع مقلق لدى الحكام الموريتانيين نحو اتخاذ الدستور مطية لإزاحة الخصوم السياسيين و البقاء في السلطة. ويبين أن هذه العادة أو التقليد أصبح ينحو إلى جعل التلاعب بالدستور أمرا عاديا أو طبيعيا في موريتانيا و إلى تحويل الدستور إلى مجرد آلية قانونية للنظام القائم إذ أنها أنشئت أصلا لإيهام المواطن أن له دستور، لا لتطبيقها الذي يجعل الشعب هو مصدر السلطة و يجعل الناس سواسية أمام القانون بل حبكت كي توزع هذا الوهم بين الناس بأنهم متساوون في الحقوق و الواجبات وهو خداع من السلطة.

فالبرلمان و الحكومات التي تتشكل منذ الاستقلال حتى الآن كان ينبغي أن تتشكل بناء على رضا المحكومين فعلى هذا الأساس في الواقع تكمن شرعية النظم السياسية، إذ أن النظام السياسي الذي يتمتع بالشرعية هو النظام الذي ينال رضا غالبية المواطنين و هنا مارست الحكومات المتعاقبة على موريتانيا سياسة إقصاء لصاحب السيادة لتفشي الأمية في صفوفه لأن 70َ %من عناصره تجهل تمام الجهل مفهوم الدولة و الدستور و الغاية منهما، و انتهزت النخب الحاكمة هذه الثغرة لتشديد قبضتها على المشهد السياسي في موريتانيا.

وظهرت منذ الاستقلال إلى الآن دعوات خافتة تطالب بضرورة استعادة الدستور الموريتاني لدوره السياسي المؤسس وتسعى هذه الدعوات إلى أن تعيد للدستور قداسته و وظيفته الأساسية المتمثلة في تقييد السلطة بالقانون و حماية الحريات الشخصية و العمومية، ذلك أن إقامة سلطة بلا قيود كما نعيشه منذ استقلالنا يهدم و يناقض القاعدة الشاملة و الجوهرية الدائمة آلا وهي التقييد القصد لسلطة الحاكم .ولذالك فان مشروعية أية سلطة يعتمد على وجود دستور يؤسس و يضع وسائل متنوعة لرقابة و تقييد مختلف السلطات .

و أعتقد أنه علينا و نحن بصدد تعديل دستور العشرين يوليو1991م أن نجمع على إعدامه بدل تعديله و نكتب دستورا جديدا يمهد لنا الطريق إلى دولة حديثة و جمهورية جديدة ثالثة و يكون بمثابة تعاقد جديد بين المواطنين و نسيان الماضي و جعل السيادة لصاحب السيادة و ننهي التآمر على صاحب السيادة الضعيف المكبل بالأمية .

بقلم : شيخنا ولد الداهمستشار قانوني صونادير