استقلال القضاء في موريتانيا كذبة لا يصدقها عاقل.. فمن يصدّق أن جنرالاتجري الروح الاستبدادية منه مجرى النَّفَس، لم يحترم دستوراً و لا قانوناً و لاشرعية، يمكنه أن يؤمن بقيم الجمهوية و نظامها الذي يقتضي فصل السلطات وعدم تداخلها و لا التّدخل فيها.. إنه رجل انقلب على نظام منتخب، و سجن خصومه السياسيين، و حاربهم فيأرزاقهم و ضرب بمعاول الضرائب أمهات رؤوس رجال الأعمال، و حرمالمعارضين له من التوظيف و الصفقات العمومية، و أصبحت المواطنة في فترةحكمه رديفَ الولاء و الزبونية. إنه الرجل الذي قال في مؤتمره الصحفي السنوي “لقاء الشعب” خلال حديثهعن إقالة قاضٍ حكم ببراءة متهمين بالمتاجرة بالمخدرات ما معناه أن “لا معنىلأن لا تعاقب السلطة قاضياً حكم بجور“.. فكبّر بذلك أربعاً على استقلاليةالقضاء.. إنه الجنرال الأرعن الذي أقال رئيس المحكمة العليا قبل انتهاء مأموريته، ووقف ضد معاقبة بدر بدوره و قد أطلق النار على فتاة غريرة، و من بعدها علىراعي غنم، و لم يعاقب ابن عمه الذي كاد يودي بحياة عامل فقير بسبب رمّانة،و اعتدى أبناء خالته على صحفى و أحرقوا منزله و سيارته، و لم يرضحلمقتضى الدستور من الإعلان عن ممتلكاته، و كابر رفض الشيوخ لتعديلاتهالدستورية.. إنه من أطلق سراح اعبيدي ولد خوماني و محاسب قيادة أركان الجيش (عمبنات الشيخان المحظيّات خيرة و توتُّ) رغم نهبهما أكثر من مليار من ميزانيةالجيش.. الجيش الذي لم يكن شيئا مذكوراً قبل وصول ولد عبد العزيز للسلطة،كما قال في مؤتمره الصحفي الأخير. و هو أيضا (و الشيء بالشيء يذكر) من ألغى حكم المحكمة على الشيخان(صديقه الشخصي و والد صديقتيه خيرة و توتّ) بتعويض قيمته 300 مليونأوقية لضحايا مصنعه للغاز الذي خلف انفجاره الكارثي في لكصر أمواتاً ومعاقين.. إنه غيض من فيض تدخل ولد عبد العزيز في العدالة، و قطرة من بحر طغيانه واستبداده، متكئاً من ذلك على سلطته المطلقة و رئاسته للمجلس الأعلى للقضاء.. فهل تريدون من مثله أن لا يقيل وكيل الجمهورية في نواكشوط الغربية لأنهعاقب “تجمعيّاً” أساء عليه.؟! كان الخليل ولد أحمد وكيل جمهورية طيّعاً، لا يعصي السلطة التنفيذية ما أمرته،و هو من أحالني للسجن لأنني عبّرت بقلم رصاص لا رصاص و لا قنبلة عنرفضي لانقلاب عسكري على رئيس مدني منتخب.. اليوم يقصع الخليل ولد أحمد غلله من كأس سقى منها غيره، تماماً كما كانالشأن مع السيد ولد الغيلاني، ليدركوا بعد رحيل العمر أنهم كانوا يطاردونبأطماعهم في الجنرال الأرعن خيوط دخان.. اللهم لا شماتة.. و لكن أمثال الخليل و السيد ولد الغيلاني هم من لم يحرصواعلى استقلال القضاء، حين رموا بأنفسهم بغايا في أحضان أمير داعر.. يجب إنصاف الخليل من ظلم الجنرال الذي يريد استغلال القضاء لا استقلاله، ولكن يجب أيضا أن يُنصَف المجتمع من أمثال الخليل ولد أحمد و السيد ولدالغيلاني و ولد لزغم و محمد المختار ولد لفقيه و غيرهم.. لن نكون بخير ما دام القضاء عصى الأرعن لمن عصاه، و وسيلته لظلم المواطنو معاقبته و سلب حقوقه.. و هو ما لا سبيل إليه و الأرعن يحكم البلاد. فأزيحوه..!