لحسن: هل ترون هذه المذكرات موضوعية وما نسبتها من الحقيقة؟
ذ. إشدو: فيها الكثير من الحقيقة، ولكن فيها أمورا لا أراها تتفق مع الأحداث التي وقعت؛ وهو ما سأصل إليه.
في هذ الكتاب ماذا يقول الرئيس محمد خونا ولد هيداله؟ في ص 65 وتحت عنوان "الجناح المدني" يقول: "وفيما يتعلق بالجناح المدني الذي كان يقف معنا في مشروع العاشر من يوليو..".
الرئيس محمد خونا ولد هيداله ممن صنعوا العاشر من يوليو ويرى أنه شارك في الانقلاب وأن الانقلاب جاء من أجل تحقيق مشروع؛ وظل متشبثا بذلك المشروع، وسنناقش ذلك.
"مشروع العاشر من يوليو
أود أن أقول إنني وأحمدو ولد عبد الله (رحمه الله) كان لدينا موقف مبدئي بعدم قبول عقد أي لقاء مع المدنيين؛ ذلك أننا لم نكن نثق بقدرة المدنيين على كتم الأسرار؛ أو بالأصح: التحلي بالسلوك الأمني المطلوب من حصافة وحيطة وحذر. ولذلك فقد وكلنا كل ما يتعلق بهؤلاء المدنيين، وكذلك كل التحرك السياسي إلى المصطفى وجدو رحمهما الله، وكانا يقدمان لنا في اجتماعاتنا تقارير عن اتصالاتهما بالمدنيين الذين كانوا يتصلون بهما، مثل شيخنا ولد محمد لغظف وشخصيات أخرى من أهل الشرگ (هذا كلام الرئيس محمد خونا ولد هيداله!) وكذلك بعض قيادات الحركات السياسية".
وما ذا يقول في شرح هذه العبارات التي وردت هنا؟ في الإحالة رقم 43 يعد هذه المجموعة - أطال الله بقاء الأحياء منها- فيقول: "من هذه الشخصيات المدنية حمود ولد أحمدو رحمه الله، بحام ولد محمد لغظف، يحي ولد منكوس، الحضرامي ولد خطري رحمه الله، عبد القادر كمرا رحمه الله".
وفي تفسير قادة بعض الحركات السياسية يقول أيضا: "من بين هؤلاء: محمد يحظيه ولد ابريد الليل، وممد ولد أحمد من البعثيين، ومحمد المصطفى ولد بدر الدين، ومحمدو الناجي ولد محمد أحمد، والمحجوب ولد بيه من اليسار".
وهنا ملاحظة تتعلق بعدم ذكره لسيد أحمد ولد ابنيجاره تقول: "تفيد العديد من المصادر أن سيد أحمد ولد ابنيجاره الذي كان يشغل منصب محافظ البنك المركزي لعب دورا محوريا في عملية التخطيط لانقلاب العاشر من يوليو".
ويقول الرئيس محمد خونا ولد هيداله إنه لا يعلم باتصالات جرت قبل انقلاب العاشر من يوليو مع المغرب والجزائر وفرنسا وليبيا ودول أخرى، لكنك حين تعود إلى مجرى الأحداث تكتشف ما يلي:
الأهداف والنتائج
أن الحقيقة هي أن الجناح المدني هو القائد وهو المخطط؛ ويتجلى ذلك في المسائل التالية:
أولا هو من اكتتب العناصر التي شاركت في الانقلاب من الجيش بواسطة شخصين هما من كان على صلة بهم دون الباقين المصطفى ولد محمد السالك وجدو ولد السالك رحمهما الله. هذان هما من كان ينقل التوجيهات ويتصل بالعسكريين عن طريق المدنيين. أضف إلى ذلك أن المدنيين كانوا هم من يحدد المبادئ؛ فالمدنيون هم من حددوا مبادئ الانقلاب الثلاثة، كما أن المدنيين هم من صاغ بيان الانقلاب وحمله المصطفى وجدو إلى الجماعة العسكرية وعرضاه عليها.
والمبادئ المذكورة هي:
- الخروج من الحرب.
- تقويم الاقتصاد.
- الديمقراطية.
ما المقصود بالخروج من الحرب حسب عقيدة ومشروع العاشر من يوليو؟ هو - كما تجلى من التطبيق- الاستسلام والتفريط في تضحيات الجيش والشعب الموريتانيين.
ما معنى تقويم الاقتصاد؟ هو الرجوع إلى الليبرالية المتوحشة والجمع بين الأختين (السلطة والمال) والتفريط فيما حققته البلاد من إنجازات في المجال الاقتصادي ومحاولة الدولة توجيه الاقتصاد لصالح المجتمع. في تلك الأيام لم تكن توجد مدارس خصوصية ولا عيادات خصوصية على سبيل المثال، وكانت الدولة تتحمل عن المواطن الكثير من الأعباء.
ماذا تعني الديمقراطية لديهم؟ إن الديمقراطية غير حيادية، ولا أعلم هل يدري هذا الكثير ممن يتشبثون بها اليوم وينادون بها. إنها تخدم دائما مجموعة أو فئة أو طبقة من الناس، وكل مجموعة أو فئة تنادي بالديمقراطية لكن..
لحسن: هل تخدمها في مضمونها لأنها لم تطبق على حقيقتها؟
ذ. إشدو: لأنها تمنح الحرية للحاكمين تقريبا. الديمقراطية في جوهرها هي حكم الشعب لنفسه بنفسه، لكن هذا الجوهر نادرا ما يتوفر، والذي يحدث هو أن كل فئة أو مجوعة أو طبقة لديها مفهوم للديمقراطية، قد يكون بعيدا كل البعد عن المصلحة العامة ويخص بفئة قليلة من الناس، وقد يكون قريبا جدا من المصلحة العامة فيفيد أغلبية الناس ويضغط على أقلية منهم.
ورد في هذا الكتاب أن من الأفكار التي اختلفت عليها جماعة العاشر من يوليو المجلس الاستشاري، وحسب المؤلف فإن عقلية الشعب الموريتاني غير ناضجة بدرجة تلائم الديمقراطية وينبغي أن يبقى تحت الحكم العسكري إلى أن يستوعب الديمقراطية. يوجد هذا في هذا الكتاب (من القصر إلى الأسر) وربما أعود إليه.
لحسن: هل يعني هذا أن جهات أجنبية كانت وراء الجناح المدني الذي قلتم إنه قاد الانقلاب وكان محركه الفعلي، وما هي هذه الجهات؟
خلافات الانقلابيين
ذ. إشدو: سأصل إلى ذلك لكني أولا سأذكر أمرا أساسيا هو الخلافات بين قادة انقلاب العاشر من يوليو، وأنا لا أضيف شيئا من عندي، بل الرئيس محمد خونا ولد هيداله هو من ذكر أن قادة الانقلاب كانوا ثلاث فئات:
- فئة المدنيين القادة، أهل الفكرة وأهل التنظيم؛ ومن أبرزهم المذكورون آنفا، ولم يكن من الوارد عضويتهم في اللجنة العسكرية لكن حضورهم في الحكومة كان قويا، ولهم أنصارهم من الضباط؛ خاصة المصطفى ولد محمد السالك رحمه الله، وهم الفئة الكبرى، كانت لهم اليد العليا في التخطيط والتنفيذ، لكن هذا يتم بواسطة العسكريين. وسبق أن قلت إنهم سيطروا تقريبا على أغلبية أعضاء اللجنة العسكرية وأقصوا إحدى المكونات الثلاث، هي جماعة البعثيين الشباب التي تحدث عنها الرئيس محمد خونا بقوله: "ممثلي بعض الحركات السياسية" أقصوها بإقصاء جدو الذي حل في المرتبة الثالثة عشرة باعتبار الرتبة العسكرية أكبر من الدور في الانقلاب ودعوى المحافظة على وحدة الجيش، لذا دخل تشكلة اللجنة العسكرية ستة عقداء، خمسة منهم لم يشاركوا في الانقلاب!
إذن أقصيت مجموعة الشباب والحركات السياسية على هذا النحو، وقلص نفوذها في اللجنة العسكرية والحكومة، ثم كرس إقصاؤها نهائيا بعد عشرة أشهر من الانقلاب عند ما أقيل جدو رحمه الله وسيد أحمد ولد ابنيجاره ومحمد يحظيه ولد ابريد الليل أطال الله بقاءهما.
وهكذا أقصي هذا الجناح، وإن كان الإقصاء قد بدأ – كما ذكرنا- بتأخير مرتبة جدو وفصله عن الجيش بتعيينه وزيرا للداخلية. وأود القول هنا إن وزارة الداخلية اقتُرِحت على الرئيس محمد خونا ولد هيداله وامتنع من قبولها بحجة عدم خبرته وعدم ملاءمة المنصب لعسكري مثله، لكن الحقيقة هي أن القوة الأساسية في الانقلابات والأعمال العسكرية تكون لدى من يقود ومن هو في الأركان.
وبعد تصفية جدو ورفاقه إذن بقيت فئتان:
- الجماعة المدنية؛ والذين يريدون الخروج من الحرب وتقويم الاقتصاد والديمقراطية فقط، ويساندهم الرئيس المصطفى وبعض كبار الضباط غير الانقلابيين.
- الذين يؤيدون البوليزاريو ولديهم مشروع يقوم أساسا على الخروج من الحرب حسب شروط بوليزاريو.
تصارع هذان الجناحان أثناء هذه الفترة، ويرد الرئيس محمد خونا ولد هيداله في كتابه سبب صراعهما إلى انفراد الرئيس المصطفى ولد محمد السالك – رحمه الله- بالسلطة، وعدم استشارة رفاقه في القرارات التي يتخذها، لكن الحقيقة أن هذا ليس السبب، فسبب القطيعة بينهم وبين جدو ورفاقه أن جدو لا يرى الخروج من الصحراء إلا في إطار تسوية شاملة، وهو ما تراه جماعات أخرى؛ وخاصة المصطفى ولد محمد السالك. وهذا ما يورده الرئيس محمد خونا ولد هيداله في كتابه فيقول إن الرئيس المصطفى ولد محمد السالك حين أراد المغاربة الخروج من موريتانيا لم يوافق على ذلك وظل يحتفظ بعلاقات معهم.
دخل هنا أيضا عنصر آخر هو الرئيس أحمد ولد بسيف ومحمد ولد ابه ولد عبد القادر رحمهما الله. وهذا الصراع الذي حدث هو ما قاد إلى السادس من إبريل، وفي النهاية أصبح قادة انقلاب العاشر من يوليو فئتين: فئة يقودها الرئيس المصطفى ولد محمد السالك رحمه الله، وأخرى يقودها الرئيس محمد خونا ولد هيداله أطال الله بقاءه. ولكل من الفئتين برنامجها وتوجهاتها.
ويقول الرئيس محمد خونا هنا إنهم حين اشتد الصراع لجؤوا إلى التحالف مع خصومهم الآخرين، كالرئيس أحمد ولد بسيف رحمه الله، والعقيد محمد ولد ابه ولد عبد القادر، فماذا يقول الرئيس محمد خونا ولد هيداله عن هذين؟
يقول إنهم عند بداية الانقلاب لم يكونوا يريدون إشراكهما في الحكومة ولا في اللجنة العسكرية؛ بل إبعادهما بتعيين أحدهما سفيرا بالولايات المتحدة والآخر سفيرا بالاتحاد السوفيتي، والسبب هو ولاؤهما للنظام الذي كان قائما، وقد تسبب هذا في خلاف بينهم وبين المصطفى وجماعته الذين عينوا أحمد ولد بسيف رحمه الله وزيرا للصيد ومنحوا محمد ولد ابه ولد عبد القادر رحمه الله دورا في الجيش، وخاصة قيادة كتيبة الأمن الرئاسي كما سبق أن قلت.
وهذا ما رأت فيه جماعة بوليزاريو مناوأة لها، وأسميها بهذا لأن كل ما في هذا الكتاب (مذكرات الرئيس هيداله) يثبت أنها كذلك كما سيتضح.
بعد الحديث عن الجماعة التي قادت والأهداف التي ذكرت لك في ص 67 من هذا الكتاب.