ترى أي نفر من الشياطين استحوذوا على نقيب الصحفيين الأستاذ محمد سالم ولد الداه فخرج دون غيره من النقباء عن “ملة العشيرة”؟ وإني لأعترف هنا بادئ ذي بدء بأنني رغم معرفتي بالرجل منذ حين، إذ سبق أن دافعت عنه عندما سجن بتهمة مقاومة التطبيع مع إسرائيل، ورغم أنني كنت من أوائل صحفيي هذه البلاد ورواد الإعلام الحر فيها، ولدي موقع ألكتروني نشط، فإني لم أهتم بالقيام بإجراءات الانتساب إلى نقابة الصحفيين، ولم أكترث بمصير انتخاباتها، إذ كنت أحسب الحقل ميئوسا منه على غرار هيئة المحامين وجل منظمات المجتمع المدني والأحزاب والنقابات… ولم أعبأ -لشدة يأسي- بفوز صديقي بأغلبية مريحة!
لكن كم كانت دهشتي كبيرة عندما قرأت في الأيام الموالية قرارا صادرا من نفس النقيب وهيئته الجديدة يقضي بفصل عضو في النقابة بسبب عدم احترام أخلاق تلك المهنة النبيلة المدنسة!
ثم ما لبث الرجل أن كر فوجه ثلاثة إنذارات لبعض المواقع الأخرى. ولما بدأ إطلاق النار عليه وعلى النقابة من كل اتجاه لم يتراجع أو ينحن؛ بل أكد تصميمه على المضي قدما في تطبيق القوانين وتنقية حقل الصحافة من المتطفلين والمارقين.. وكان زملاؤه في مكتب النقابة يشدون أزره. عندها، وعندها فقط، شعرت بأن شيئا ما جرى ويجري في حقل الإعلام، وأن بصيص أمل يلوح في الأفق القريب!
بيد أن هذا الوضع الجديد في الإعلام يفرض علي أن أنبه القائمين عليه الشجعان على ثلاثة أمور هي:
1. أن معركة إصلاح الإعلام وتنقية حقل الصحافة معركة مصيرية لها ما بعدها، لأنه لا يمكن تحقيق أي تقدم في ميدان الإصلاح العام دون إنجازها بنجاح، أو التقدم فيها إلى أبعد الحدود. ذلك أن أعداء الإصلاح والوطن يركزون على فساد هذه الجبهة؛ مستغلين الفجوات الواسعة التي ما تزال رهوا فيها.
2. أن كل ما تقوله وتدعيه السلطات الوطنية في هذا المجال لا يمكن الركون إليه أو الاعتماد عليه للأسف. وذلك لأسباب من بينها عدم جدية وحزم بعض المسؤولين من جهة، واختراق المفسدين لمراكز القرار وغيرها من مفاصل الدولة، وعدم تمييز البعض بين حرية الصحافة والفوضى والتخريب.
وفي وضع كهذا لا يستبعد أن يقول بعض المسؤولين عن الإعلام للمصلحين ما قاله بنو إسرائيل لنبيهم: {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون} فلا بد إذن من العمل الدؤوب الذي لا يني ومن تضافر جهود كافة المصلحين.
3. ومع ذلك فإن شرف ونبل هذه الغاية التي تنوي النقابة الاضطلاع بها يستحق كل التضحيات التي ستبذل في سبيلها، والتي سوف يذكرها ويشكرها لها التاريخ وتنال ثوابها؛إذ “لا يذهب العرف بين الله والناس”.
بقلم: الأستاذ محمدٌ ولد إشدو