حين تتكلم وسائل الإعلام عن الساحل، إنما تثير تهديد الإرهاب في جميع أشكاله و هو تهديد حقيقي، كما أظهره مؤخرا الهجوم في واغادوغو في 13 أغسطس أو الهجوم على الأمم المتحدة في مالي في اليوم الموالي. و هو أيضا نفس الشيء بالنسبة للسلطات الفرنسية التي تتحدث كثيرا حول الموضوع لتتبجح أو تبرر انتشارها في عملية “برخان” العسكرية في الشريط الساحلي الصحراوي، بينما الموضوع المركزي في الساحل ليس هذا”.
بهذا المدخل “يبرز لوران بيغو (كاتب لموند آفريك)، “افتراس النخب الغرب إفريقية” لشعوبها “و عمى ـ أو حتى قبول ـ المجتمع الدولي” و سكوته عن ممارساتها ، في ما يعتبره الموضوع المركزي في الساحل ، لا الإرهاب.
و يرى لوران بيغو أن الإرهاب في الساحل نتيجة لأزمة كبرى في الحكامة تمس كل إفريقيا الغربية : “و تتجسد هذه الأزمة في غياب الدولة عن خدمات الشعب لأن الدولة الحديثة تمت خصخصتها من قبل النخب السياسية لصالحها. هذه الخصخصة تسارعت في السنوات الأخيرة لتصل إلى مستوى حيث أصبح السكان في دول الساحل مسؤولين عن أنفسهم أو متروكين لأنفسهم ، لم يعد هناك كيان (دولة أو غيرها) مسؤول عن أي شكل من المصلحة العامة”.
و يضيف لوران بيغو:”هذا بصفة خاصة هو الحال في مالي و النيجر و موريتانيا . هذه الدول لديها كعامل مشترك، نظام سياسي ملغوم، تحتكره نخبة مدمرة ، لم تصل طرقها فقط إلى الضربة القاضية على ما تبقى من الدولة و إدارتها و إنما زيادة على ذلك، أدخلوا الجريمة المنظمة حتى في قلب النظام” و يضيف الكاتب، “الاستيلاء على السلطة والحفاظ عليها لم يعد ينظر إليه إلا كوصول إلى مخزون لا ينضب”
و قال لوران بغيو (دبلوماسي فرنسي سابق و خبير استشاري مستقل)، “تم إضعاف دول الساحل في سنوات 1980 من خلال التعديلات الهيكلية التي فرضها صندوق النقد الدولي و البنك الدولي باسم الليبيرالية العقائدية السائدة. كان المطلوب إنحال الوظيفة العمومية التي تعتبر قطاعاتها الأكثر “دسما” هي التربية و الصحة”. و يتساءل لوران بتعجب و استفهام “أي سياسة “متبصرة” لمنطقة ستشهد 15 سنة بعد ذلك، صدمة ديموغرافية غير مسبوقة في تاريخ البشرية!”
و في حديثه عن الانتخابات في المنطقة قال لوران إن تزويرها يتم بطريقة فظيعة:
“النخب السياسية صنعوا منذ أكثر من 20 سنة من المراوغة طريقة الحكم الأكثر انتشارا . عملية الدمقرطة التي تلت المؤتمرات الوطنية في بداية التسعينات من القرن الماضي ، لم تمنع أي شيء. و الانتخابات التي تمت منذ ذلك الوقت لم تكن أبدا صادقة و في بعض الأحيان مزورة بشكل فظيع (مدرستان من بين مدارس عديدة : انتخاب آلفا كوندي سنة 2010 في غينيا ، انتخب في الدور الثاني بينما لم يحصل إلا على 17% في الدور الأول و حصل خصمه على 40% و انتخاب فور انياسيمبي سنة 2015 في التوغو الذي تم إعلان نجاحه بينما كان فرز الأصوات ما زال في حدود 40%…)”
مضيفا بتعجب “كل هذا تم بموافقة المجتمع الدولي و المباركة الحارة من مختلف الرؤساء الفرنسيين و تعتبر رسالة فرانسوا هولاند الموجهة إلى الرئيس النيجري إيسوفو سنة 2016 نموذجا في هذا المجال.
و تحدث لوران بيغو عن السياسات الممولة عن طريق الإتجار بالمخدرات في الساحل “هذا الوضع حول الساحل إلى منطقة خصبة لنمو التحولات الإيديولوجية الراديكالية و الكفاح المسلح يصبح أفقا مغريا لبعض الشباب الذي يدرك أن خارج الهجرة إلى أوروبا أو الانتماء إلى المجموعات المسلحة، لا وجود لأي خلاص”
و قال لوران “الحياة السياسية لهذه الدول تم تمويلها من خلال الاتجار بالمخدرات التي حلت محل كرم القائد الليبي القذافي”.
“نستطيع أيضا أن نتحدث عن سلطات دول ساحلية تفاوض معاهدات عدم اعتداء مع هذه المجموعات المسلحة مثل الحالة الموريتانية كما بينتها الوثائق التي حصل عليها الأمريكيون خلال الغارة التي شنوا على أسامة بن لادن سنة 2011 ي أفغانستان”.
و في خلاصة مقتضبة ، يقول لوران، “الوضع الأمني في الساحل في بعده “الإرهابي” وحده مختصر خطير لأنه يذهبنا فقط عن الحقيقة على الأرض”.