عشر ذي الحجة : أسنمة المناسك وعيد الميلاد الجديد ! / محمدالمصطفى الولي

يلج ضيوف الرحمن وحجاج بيت الله الحرام هذه الأيام بوابة الإستعداد لأداء الركن الخامس من أركان ديننا الحنيف ( فريضة الحج ) ’ ويأتي هذ التأهب في ظرف زماني ذو قداسة ربانية خالدة ’ يحزم المؤمن فيها حقائبه وقد تثاقلت في الرحيل عن بلده الخطوات ’ تاركا الأهل والوطن وراءه ظهريا ’ يداعب حلم أيام العشر وليالي الشفع وهمسات الوتر ’ عله يلبس مطارف الستر وجلابيب العفو والغفران ’

 أوتنقضي حاجات ذي أرب في مشاعر الموعد مع الباري سبحانه في حياض " فنا " ووديان يثرب ’ يوم يكسى الحجاج تاج المناسك  ويقبلون على الله في بطاح مكة :                                               
وليتني إذ كنت في أم القرى    أتيت غارين بثور وحرا                   
وموضع الحجون قرب سفح       جبله وشهداء الفتح .....                
ناسكون يتبتلون في سدلة ليالي " العشر من ذي الحجة " ’ واردين " المجتبي " في جناب القسم المعظم ’ وعطفه التابع في الشرف ’ ( والفجر وليال عشر والشفع والوتر ..) والعظيم لايقسم إلابعطيم .                                                                                
إنه الإنتقال إلى الأماكن المقدسة والبقاع الطاهرة ’ موقع الصدارة ومهبط الوحي ودار الحبيب ’ ومبتدأ الذكر وعلوية المكانة وبوح التوهج ... إنها أماكن تطير إليها " أفئدة الذين يخشون ربهم ويخافون سوء الحساب "... تسبقهم أخيلة جنحت في سماء التمسكن والإنقياد والتذلل ’ تركت توابيت الخلود ونواميس الوجود مبعثرة في عالم الفناء ’  ظعنوا ولسان نفيرهم :                                                          
شمر لعزمك فالترحال قدحانا     واصبر عن الأهل والأوطان أزمانا
واستبدلن كل من قد كنت تذكره     بالاهل أهلا وبالاوطان أوطانا 
واعدد لبين حبيب كنت تألفه   صبرا جميلا وللتذكار سلوانا   
واقطع رجاءك عما كنت مرتكبا     من التطوف في الأحياء أحيانا
واستصحب السير والتدآب واغد على     ظهرالمطية إن الركب قدبانا
واقطع عن الراحة الأطماع واتخذ التـــــــــهجيروالسير والإدلاج ديدانا
ياليت شعري وماليتي بنافعة   أيان ألقي عصا التسيار أيانا   
أم كيف أطمع بالسكنى وقد عرضت     دوني مصارع فرعون وهامانا
فسلم الأمرللرحمن مولانا    فكل ماشاءه في ملكه كانا    
والله يحفظنا مما نحاذر من    سوء ويكسو راء الأمن إ يانا 
والله يجمع شملا كان مفترقا   منا فيصبح مثوانا بمثوانا      
كم أصبح المتناءي في أرومته    من بعد ماظن كل الظن جذلانا
واستغن بالله يكفيك الأنام وعذ   بالله واتخذ الرحمن معوانا      
فمالدى غيره نفع ولاضرر   فهو المؤمل منجانا ومرجانا   
به ينال الغنى ذو فاقة وبه    عز الذليل ونال الهون من هانا   
مانال إلابه شكرا ومحمدة   شخص ولانفع الإنسان إنسانا       
ثم الصلاة على المختار مرجانا   والصحب طرا ومن خافا ومن دانا...
تلك هي حالة أناس  يمسحون بالتراب أدران الفانية حتى المخيض ’ يرجعون وكأنهم ولدوا من جديد ’ إنه عيد الميلاد !  يتذكرون أناسا وقفوا على الصعيد وهم اليوم بين الجنادل والتراب ’ ما إن يصل أحدهم ميقاته الذي سيحرم منه حتى تهفو نفسه وتصدح عقيرته داخلا "ضراب " التنوع البشري الملائكي ألافت ’ يعبدون ربا واحدا ويرددون في " مجر" واحد : لبيك اللهم لبيك ’ لبيك لاشريك لك لبيك ’ إن الحمد والنعمة لك والملك لاشريك لك لبيك  .  يمتلكهم الخوف ويدفعهم حب دفين إلى الإياب بالحج المبرور ’ ( والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) .
إنها أيام جمعت أمهات العمل العبادة وحوت العمل الصالح ’ الصلاة  والصوم والحج والصدقة ... فضلها عظيم وفرصتها نفيسة وثمينة ’ دل على ذالك القسم السابق وهذا الحديث ’ أخرج البخاري في صحيحه من حديث بن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب الله من هذه الأيام – يعني العشر – قالوا : يارسول الله ولا الجهاد في الله ؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله ’ إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذالك بشي ) . ويستحب في هذه الأيام مجموعة من الأعمال التي تقرب الإنسان من الله  تبارك وتعالى    وتباعده عن  النار ’ من بينها :                                                       
- الصيام : فقد أخرج الإمام أحمد والنسائي عن حفصة بنت عمر رضي الله عنهما قالت : ( أربع لم يكن يدعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ’ صيام عاشوراء والعشر وثلاثة أيام من كل شهر ’ والركعتين قبل الغداة ) . ويتأكد في يوم عرفة ’ لما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي قتادة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه  وسلم :( صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة ’ وصوم يوم عاشوراء يكفر سنة ماضية ). هذا بالنسبة لغير الحاج ’ أما الحاج فلايندب له لأن الصوم يضعفه عن أداء المناسك ’ وقد وقف صلى الله عليه وسلم مفطرا وخطب على سفح عرفة في حجة الوداع خطبته التي جمعت بين التربية والتعليم ، افتتحها بالذي هو خير : أما بعد أيها الناس ’ اسمعوا مني أبين لكم فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ....                                                               
- التكبير والتحميد والتهليل : فالله عز وجل أمرنا أن نذكره في هذه الأيام ’ حيث قال جل من قائل :( ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على مارزقهم من بهيمة الأنعام ) .  وجمهور المفسرين وهو قول بن عباس على أن المراد بالأيام هنا ’ عشر ذي الحجة ’ وقد ذكرالبخاري رحمه الله أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ’ كان يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى من كثرة التكبير .                                                                                         
- الإكثار من الدعاء بدوام الإنابة والرجوع إلى حضرة المولى سبحانه ’ وقراءة القرءان والصدقة والإستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ....
- إعفاء من ينوي الأضحية شعره وأظافره من بداية شهر ذي الحجة وحتى يوم ذبحه أضحيته ’ تشبها بالمحرم وارتباطا بأفعال الحجاج ’ كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها ’ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلايأخذن من شعره وأظافره حتى يضحي ) . ومن نفائس تلك العلاقة الترابطية التي تعطي للمرء بدائل الحج  ماذكره العلامة : بن رجب رحمه الله حيث قال : من لم يستطع الوقوف بعرفة فليقف عند حدود الله الذي عرفه ’ ومن لم يستطع المبيت بمزدلفة فليبت على طاعة الله ليقربه ويزلفه ’ ومن لم يقدر على ذبح هديه بمنى فليذبح هواه ليبلغ به المنى ’ ومن لم يستطع الوصول للبيت لأنه بعيد ’ فليقصد رب البيت فإنه أقرب إليه من حبل الوريد .
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ’ وتب علينا  إنك أنت التواب الرحيم . وارزق حجاج بيتك الميامين حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا وعودة ميمونة .