فيما يتعلق بطائرة الرئيس أحمد رحمه الله فليست لدي أدلة مادية أقدمها، لكن لدي عناصر تثير التساؤلات؛ وهي ما سأعرضه أمامكم.
أحد هذه العناصر ما سبقت الإشارة إليه من أن أحمد ولد بسيف ومحمد ولد ابه ولد عبد القادر رحمهما الله، يوم العاشر من يوليو في الحديث عن تشكيل اللجنة العسكرية والحديث عن تشكيل الحكومة، ألح بعض مكونات العاشر من يوليو التي يسميها الرئيس محمد خونا ولد هيداله "جماعتنا" وحين تنتبه لا تجده يذكر منها إلا أحمدو ولد عبد الله رحمه الله، مع أنها أكثر من ذلك، كما ظهر يوم الرابع من يناير 1980.
أكدت هذه العناصر إذن وألحت على استثناء هذين الضابطين من عضوية اللجنة العسكرية ومن عضوية الحكومة، وتعيينهما سفيرين بالولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. يوجد هذا في ص 78 من مذاكرات الرئيس محمد خونا ولد هيداله.
لحسن: انطلاقا من كونهما لا يحملان نفس أفكار باقي الجماعة؟
ذ. إشدو: انطلاقا مما وصفوه بولائهما للنظام. يقول الرئيس محمد خونا ولد هيداله: "وهكذا توصلنا إلى أن كادير وأحمد ولد بسيف سيرسلان سفيرين إلى أمريكا والاتحاد السوفيتي لأنهما كانا معروفين بموالاة النظام".
هذه هي النقطة الأولى.
والنقطة الثانية أن الرئيس محمد خونا ولد هيداله في ص 84- 85 من هذا الكتاب يتهم بسيف وأحمد سالم – رحمهما الله- بالقيام بمساع رامية إلى "سرقة العاشر من يوليو وتعطيل المشروع الذي جئنا من أجله".
لحسن: محاولة الانقلاب على الانقلاب.
ذ. إشدو: بالضبط. تحت عنوان "مساعي سرقة العاشر من يوليو" يقول: "وبعد أن بلغ سوء التفاهم وانقطاع الحبل بين المصطفى وجماعته حدا قويا واتخذ بطانة من دوننا بدأت أنا وأحمدو في تدارس الوضعية بوصفنا من قادة العاشر من يوليو، وفي نفس الوقت، وبعد ملاحظة بسيف لفتور علاقاتنا وجماعة كبيرة من الضباط مع الرئيس المصطفى دخل على الخط فصار يسعى لاكتساب ولائنا من خلال تقديم بعض الخدمات لنا من موقعه في وزارة الصيد".
لا أظن أحمد يفعل هذا فهو عظيم. فلقد رفض الدخول معهم في الانقلاب، لكنه لم يرض لنفسه الوشاية بهم أيضا!
"وكان ذلك في إطار تحرك الجناح الذي يقوده هو وأحمد سالم ولد سيدي الساعي إلى إبعاد المصطفى من السلطة ليحلوا محله. وحين لاحظت هذه التحركات علمت أن أطرافا أخرى تسعى لسرقة الجهد الذي قامت به جماعة العاشر من يوليو؛ بل وتعطيل المشروع الذي جئنا من أجله. وكنت أتمنى لو أن المصطفى تنبه إلى هذه المشاريع وفوّت عليهم الفرصة بإعادة اللحمة إلى جماعتنا".
هذه نقطة أخرى.
وهنا نطرح السؤال التالي: هل من المعقول ادخار جهد في سبيل منع شخص ما من الوقوف في وجه مشروعك؟ ولا أعني بالطبع الرئيس هيداله ولا الجماعة التي معه؛ بل أعني الدول التي تقف وراء هذا المشروع.
لحسن: من هي في نظركم تلك الدول التي كانت تقف وراء هذا المشروع؟
ذ. إشدو: هي ثلاث بالأساس: الجزائر وليبيا، ولا تخفيان ذلك، وفرنسا، ولكنها تخفي ذلك.
يقول الرئيس المختار في كتابه الذي سبق أن تعرضنا له إن أكبر عقبة اعترضتهم في سبيل التفاوض مع فرنسا لتعديل الاتفاقيات التي ألغيت في النهاية هي جيسكار ديستان وزير المالية الفرنسي آن ذاك، وحجته هي نفسها حجة رئيس حكومة الإطار قبلها كما أسلفنا؛ أن وقوع هذا في موريتانيا يقدم لدول غرب إفريقيا نموذجا تحتذي به في الخروج من السيطرة النقدية الفرنسية واستعمار فرنسا الاقتصادي بشكل كامل.
وبعد مراجعة الاتفاقيات جاء التأميم.
ففرنسا، وخاصة فرنسا التي يرأسها جيسكار ديستان، كانت جزءا من هذا، فقد كانت لديها ضغينة على موريتانيا.
السادس من إبريل ليس اجتماعا؛ بل هو انقلاب
النقطة الثالثة، وقد عجبت منها؛ فالرئيس محمد خونا ولد هيداله لا يذكر السادس من إبريل ولا يعتبره انقلابا، بل يعتبره اجتماعا عقدوه مع المصطفى بعد ما أقنعوا الشيخ ولد بيده بسحب فرقة الدرك التي تحمي الرئاسة، ويستفيض في الحديث عن موافقة الشيخ ولد بيده فيذكر أنهم دعوه فرفض، ثم دعاه محمد ولد ابه ولد عبد القادر إلى خارج المدينة وكانا - رحمهما الله- صديقين رغم كل شيء، فقال له الشيخ: هل تعلم أنه سيقع كذا وكذا؟ (يعني ما جرى في 6 إبريل) فقال محمد ولد عبد القادر: نعم أعلم ذلك ولا أرى فيه بأسا، ومن ثم اقتنع الشيخ فقبل الانضمام إلى جماعة السادس من إبريل.
ما أعلمه أني شخصيا رأيت الرجلين (الشيخ ولد بيده ومحمد ولد ابه ولد عبد القادر، رحمهما الله) قادمين إلى قيادة الدرك في سيارة واحدة وكانا مسرورين بما يجري من احتلال للمواقع العامة وخروج للجيش إلى الشوارع.
والغريب أنه (هيداله) يعتبر هذا اجتماعا وهو انقلاب في الحقيقة! في ذلك اليوم احتلت جميع الأماكن الحساسة، وانعقد اجتماع للجنة العسكرية، وجرى تعديل لها، وتعديل لنظامها، وصدر بيان بثته الإذاعة، ثم أصدر ميثاق دستوري.. ومع هذا يعتبره الرئيس هيداله في مذكراته اجتماعا! وهذا مخالف لسير الأحداث، والأفضل أن يذكر.
وفعلا يعود فيذكر بعضه.
أقلام