فى كل ذكري لعيد الاستقلال الوطني والتي تصادف 28 نوفمبر من كل سنة يفرح الشعب الموريتاني بأسره متذكرا مجدا تليدا وعنفوان أخذ زمام قيادته لنفسه من المستعمر متحررا من كل تبعية وبسط للنفوذ .
وتتري هذه الذكري كل سنة حاملة كل المسرات إلى الشعب الموريتاني برسوخ قدم وطنه وتفيئه ظلال الاستقلال والحرية .
لكن هذه الذكري أصبحت " ملطخة بالدماء " كما يصفها البعض بعد أحداث قاعدة إنال شمال موريتانيا والتي راح ضحيتها حسب تقارير عدة ما يقارب 28 فردا من القوات المسلحة بسبب انتمائهم العرقي وهو ما لا ينفيه من يقول إن الاستهداف كان بسبب محاولة الانقلاب التي أثبتت أن هناك من يريد الحكم على أساس طائفي وعرقي بعيدا عن الوطن وتعدد أعراقه .
أحداث إنال التاريخية وما صاحبها جعلت الشارع الموريتاني منقسم فى ذكري الاستقلال إلى شعبين - حسب تعبير السياسي تيام صمبا - شعب يراه مدعاة للإستقلال وآخر يراه سببا للبكاء والاستهزاء بأبناء الوطن , إلا تاريخ أحداث إنال شهد فى الآونة الأخيرة إعادته للتداول والنقاش بعد الحديث عنه فى الكتب والمواقع وفى أروقة المحاكم الموريتانية وبعد زيارة عديد الحقوقيين لمكان القاعدة العسكرية سنة 2012 .
وبالرغم من طيّ الدولة لملف الإرث الإنساني بإشراف الأمم المتحدة حيث تم ذلك بالتعويض للضحايا وإدماج الموظفين وتوزيع الأراضي على العائدين فإن حقوقيين يرون أن الخطوة لن ولم تكن كافية حيث إن أولي تلك الخطوات ينبغي أن يكون فى الاعتراف بما وقع وتحديد المسؤولين عنه ثم الاتفاق مع أسر الضحايا على ما يرونه مناسبا فى ذلك .
وتأتي ذكري الاستقلال السابعة والخمسين فى كيهيدي عاصمة ولاية كوكول لتعيد الحادثة إلى الأذهان حيث وصف صمب تيام فى مؤتمر صحفي قبل أيام تخليد ذكري الاستقلال فى كيهيدي بأنها تحد لمشاعر مئات الأسر التي فقدت آباءها وأيناءها ولم تجد العدالة حتى الآن.
آخرون تحدثوا عن تنغيص أحداث إنال على الموريتانيين فرحتهم فى كل ذكري استقلال مطالبين بطي الملف بالتحقيق فيه وتحديد المسؤولين ومن وقع عليهم الظلم ثم البحث عن مخرج وطي الملف بعد معالجة جميع جوانبه.
الكاتب الصحفي أحمدو الوديعة قال إنه قرر عدم الاحتفال بعيد الاستقلال الوطني إلا بعد أن يغسل من دماء الضباط الذين اغتيلوا فيه بهمجية على أديم إنال مضيفا أنه سيدرس الاحتفال بعيد القوات المسلحة يوم تخرج أحذية جنرالاتها الخشنة من الحكم والقصر.\
أما رئيس حزب تواصل السيد محمد جميل منصور فقد عبّر بتعبير أخف حيث قال إنه مؤلم أن يشوش على ذكري الاستقلال وعلى فرحنا بها ترح الذكري الأليمة فى إنال.
أما مسؤول الإعلام فى حزب الوطن السيد شوقي ولد محمد فقد تساءل فى مقال منشور على السراج عن ازدواجية الفرح والحزن فى كل ذكري عيد استقلال قائلا إن الحزن سببه " وجود أبناء لهذا الشعب تمت تصفيتهم و حسب الكثير من الروايات في هذا اليوم دون محاكمة و لا إشعار بذنب او جريمة ارتكبوها تبيح هذا المستوى الشنيع من ردة الفعل وأن الفرح مرده إلى عيد الاستقلال الوطني وأهميته لأي مواطن .
وتساءل شوقي ولد محمد: هل تقبلون ان يذبح 28 مواطن موريتاني و أن لا تعرف ظروف ولا ملابسات هذه الجريمة و أن يتم ذلك في يوم "الاستقلال" و من طرف من يعتبرون"قادة"وهم وحوش يلبسون لباس البشر وان لا نتحدث عن الموضوع لطلب توضيح او اخبار عن هذه الجريمة؟
كيف يمكن لإنسان ان يذبح أخاه بدم بارد و بهذه الوحشية التي يتحدث عنها البعض و نسمح لأنفسنا بعدم نقاش الموضوع و استمرار هذه المعاناة؟
كيف نقبل أن يبقى جزء منا يخلد ذكرى مجزرة و الجزء الآخر يخلد ذكرى استقلال . جزء يتألم و يبكي و جزء يتباشر بيوم النصر . جزء يبحث عن مكان الضحايا و كيف قضو و ماهو السبب و من المجرم ....... مؤلم جدا . والأكثر ألم و الأخطر ان يكون هذا الجزء من شريحة واحدة و جهة واحدة ."
وفي ظل موقف يري أن القضية تمس من صميم الاحتفال بسبب وقتها وعرقيتها فإن آخرين يرون عكس ذلك معتبرين الأمر فشلا للإنقلابيين ما جعلهم يحاولون إضفاء لبوس عرقي عليه للإفلات من العقاب بدل نقدهم لتبني العرقية أصلا فى التخطيط .
ويري آخرون أنه بغض النظر عن الدوافع فإن قاعدة الانقلابات هي الحكم أو القبر و أن كل من فشل انقلابه سيقتل فى العرف العسكري قائلين إن محاولي انقلاب 16 مارس تم إعدامهم بشكل معروف وواضح وتم إخفاء قبورهم وكانوا من عرق آخر أو أغلبهم .
بينما يري طرف آخر أن الاستقلال ذكري للفرح لكل الشعب ولكل وطني وأن حمل مآسي أنظمة سابقة لتنغيص فرح مجتمع بأكمله ودولة تعسف وتطرف لا مبرر له.
وتبقي ذكري أحداث إنال تفرض نفسها خلال كل ذكري استقلال بمشاهدها التي سطرها أحد الناجين فى كتابه جحيم إنال وببعض الفظاعات التي رواها الرئيس صالح ولد حنن فى محاكمة واد الناقة وكتب عنها العقيد ولد ابيبكر رغم ما يلاحظ من انحسار المؤيدين للتحقيق فيها من المتبنين لها أصلا وكذلك غياب التظاهر في يوم الاستقلال تذكيرا بها وبأحداثها المؤسفة والمؤلمة .