تعاني شركات القطاع العام في موريتانيا من شبح الإفلاس والانهيار، بسبب الإهمال والفساد المالي والإداري، ليتحول الأمر في الفترة الأخيرة إلى ظاهرة باتت تلاحق أغلب المؤسسات، سواء منها حديثة الإنشاء أو تلك التي مر على إنشائها عقود.
ولم يسلم أي قطاع من هذه الظاهرة، التي أثرت على الاقتصاد الموريتاني، خاصة أن التحقيق في حالات إفلاس الشركات والتقارير النهائية حول وضعها لا تكون دقيقة وشفافة بشكل يساعد على تدارك وضع الشركات الأخرى.
ولعل القاسم المشترك بين أغلب الشركات التي تعرضت للإفلاس، هو إفلات المسؤولين عن تردي وضعها من العقاب، وعدم ملاحقتهم قضائيا، ما ساعد على انتشار اختلاس المال العام وإفلاس المزيد من الشركات.
أسباب الإفلاس
ويرى المراقبون أن الاضطرابات السياسية وطول فترة الانقلابات العسكرية، وتضارب السياسات الاقتصادية، وتباين القوانين بين حقبة وأخرى ساعد على ارتفاع معدلات إفلاس الشركات.
وأحيانا تتخذ الظاهرة شكل حيلة للتهرّب من الضرائب أو لإغلاق شركة عمومية وفتح المجال أمام منافستها في القطاع الخاص.
ويقول الخبير الاقتصادي، الداه ولد محمد إبراهيم، إن التقارير تؤكد ارتفاع معدلات الإفلاس بين الشركات، وأغلبها يأتي في إطار المنافسة غير النزيهة، إذ تواجه بعض الشركات أزمات مُتعمّدة.
ويضيف ولد محمد إبراهيم، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن التوقعات تشير إلى أن عدد الشركات المرجح إعلان إفلاسها سيرتفع بنسبة 15% خلال العام الجاري مقارنة بالعام الماضي 2015، ما يتسبب في رسم صورة قاتمة عن أوضاع الشركات والاقتصاد في موريتانيا.
ومن أهم الشركات التي أشهرت إفلاسها، شركة الخطوط الجوية الموريتانية، التي يقول متخصصون في الشأن الاقتصادي إنها كانت مصطنعة لفتح المجال أمام شركة جديدة تحتكر سوق الطيران المحلي في موريتانيا.
وكانت الحكومة قد أعلنت تصفية شركة الخطوط الجوية في يونيو/ حزيران 2007، بعد تراكم الديون المستحقة عليها واحتجاز 3 طائرات من طراز بوينغ في باريس لعدم سدادها ديون الشركة المالكة لها.
وعانت الشركة في السنوات الأخيرة من أزمة مالية حادة، بسبب سوء التسيير وتفشي استغلال المال العام بين مديري مكاتبها، وقامت بفصل عشرات العمال والموظفين لترشيد النفقات، لكن مع غياب الإرادة الحقيقية في إنقاذ الشركة، توقف نشاطها وأعلن إفلاسها.
وغالبا ما يغيب التدخل الحكومي لإنقاذ الشركات العامة، كما تتأخر الدولة في إجراءات التحقيق في الإفلاس، وهو ما جرى مع شركة الخطوط الجوية، حيث اتهمت السلطات القضائية رئيس الوزراء السابق يحيى ولد الواقف وبعض مساعديه بالمسؤولية عن إفلاس الخطوط الجوية الموريتانية، وذلك عقب تغيير الحكومة.
وبعد فترة من احتجاز رئيس الوزراء السابق، تم إطلاق سراحه في صفقة سياسية، بعد أن هدأت الأوضاع والاحتجاجات على إفلاس الناقل الجوي الرسمي.
قطاعات جديدة
وتعددت حالات الإفلاس لتمتد إلى قطاعات حيوية أخرى، حيث تعرضت شركة "نافتك" المتخصصة في توزيع الوقود ومشتقاته للإفلاس، حيث توقفت رسميا عن النشاط في مايو/ أيار 2009، بسبب ما وصفه خبراء اقتصاد بـ"مؤامرة" لإفساح المجال أمام شركات جديدة.
كما امتد الإفلاس إلى المؤسسات المالية، حيث عانت المصارف، خاصة المدعومة من طرف الدولة، كالقرض الزراعي، من الإفلاس عدة مرات وتوقف نشاط بعضها بشكل نهائي، بينما عادت أخرى بعد أن حصلت على امتيازات خاصة لمواصلة عملها.
ويرى ولد محمد إبراهيم أن تنامي ظاهرة الإفلاس، ولا سيما بين الشركات العامة الكبرى، يرجع إلى انتشار الفساد وعدم احترام القوانين.
ويقول إن هذا المناخ دفع بالعديد من المستثمرين إلى تعليق مشاريعهم وعدم التعاقد مع قطاعات حكومية خشية التعرّض لأزمات.
وكانت موريتانيا قد احتلت المرتبة الـ124 من أصل 177 دولة في مؤشر الفساد لتقرير منظمة الشفافية الدولية.
وتضاعفت مديونية البلاد خلال السنوات الأخيرة، حيث ارتفعت من 2.6 مليار دولار عام 2008 إلى 4.25 مليارات دولار عام 2014، حسب البيانات الرسمية، بينما يؤكد الخبراء أن الديون تجاوزت عتبة 5 مليارات دولار، إذا أُخذت في الحسبان القروض التي تغذّت عليها الموازنة العامة خلال العام الماضي 2015.
ويرى الخبراء أن موريتانيا لم تستفد كثيرا من الديون الخارجية في تنشيط اقتصادها، بسبب ضعف أداء الإدارة وانتشار الفساد ونقص الخبرة في مختلف قطاعات الدولة.
العربي الجديد