التقييم الذي نُسب للعاهل الاردني حول عدم “فاعلية” التحالف الاسلامي “صحيح” حتى لو لم يقله.. خمس مناورات عسكرية نظمتها السعودية ودول الخليج في غضون بضعة اشهر وانفقت 33 مليار دولار لشراء اسلحة في 11 شهرا.. فهل الحرب العالمية الثالثة باتت وشيكة فعلا؟ ومن هم ضحاياها؟ وما هي تحفظاتنا؟
لم يفاجئنا نفي الديوان الملكي الاردني صحة ما ورد في وثيقة للكونغرس الامريكي جرى تسريبها الى بعض الصحف البريطانية، ونقلت عن لسانه قوله ان بلاده انضمت الى “التحالف الاسلامي” الذي تتزعمه المملكة العربية السعودية لانه “تحالف غير ملزم”، علاوة على كونه “محدود الفعالية” والنتائج، وان هذا الانضمام جاء من “قبيل المجاملة”، فمن الطبيعي ان يصدر هذا النفي (صدر منتصف الليل) للحفاظ على العلاقات السعودية الاردنية، خاصة ان البلدين حليفين يقفان في خندق واحد ايديولوجيا، وان هناك وعود من الرياض بتقديم مساعدات مالية وعسكرية للاردن، ولكن هذا النفي على اهميته، وجديته، لا يخفي ان الكلام الذي نسب الى العاهل الاردني صحيح من حيث المضمون، وبغض النظر عما اذا قيل على لسانه او لم يقل.
فهذا التحالف المكون من 34 دولة اسلامية (لم تنضم اليه دول عديدة، بينها الجزائر وايران والعراق ولبنان) غير ملزم فعلا، ومحدود الفعالية، ولا تؤخذه الدول الاعضاء فيه بالجدية الكافية، بدليل ان العاهلين البحريني والاردني غابا عن الجلسة الافتتاحية الاهم من مناورات “رعد الشمال” التي رعاها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، كما غاب عنها ايضا الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، وكذلك رئيس وزراءه احمد داوود اوغلو، وكانت مشاركة القوات التركية في المناورات اقل من رمزية، مضافا الى ذلك ان تحالفات عسكرية وسياسية على هذه الدرجة من الضخامة والخطورة، تحاكي احلاف اخرى متل “الناتو”، تصدر بعد مشاورات مكثفة على مستوى الخبراء والسياسيين، ولقاءات على مستوى القمة، يقوم خلالها الزعماء بتوقيع معاهدة، وميثاق يتضمن نصوصا ملزمة تحدد الواجبات والردود على الاخطار وطبيعتها، وهذا لم يحدث مطلقا على صعيد “التحالف الاسلامي” الذي سمعت عنه معظم الدول الاعضاء عبر مؤتمر صحافي رتب على عجل لمجموعة محلية من الصحافيين فجرا اذيع في قناة تلفزيوينة سعودية.
السلطات الاردنية بررت غياب الملك عبد الله الثاني بأنه عائد الى ارتباطه بمواعيد مسبقة مع ضيف الاردن جو بايدن، نائب الرئيس الامريكي، التي تزامنت مع موعد الجلسة الافتتاحية المذكورة، ولكنه لم يغب عن اليوم الثاني من احتفالية المرحلة النهائية من المناورات التي تعتبر الاضخم في تاريخ المنطقة، ولكن لم نعرف حتى كتابة هذه السطور اسباب غياب الرئيس التركي، او رئيس وزرائه، ونستغرب هذا الغياب من قيادة دولة من المفترض ان تكون مرتبطة بتحالف “سني” استراتيجي مع المضيف السعودية.
***
المملكة العربية السعودية ودول خليجية اخرى تعيش حاليا حالة من “الهلع″ من مخاطر استراتيجية تهدد امنها وكيانها، وتعبر عنه بعدة طرق:
القاسم المشترك لمعظم هذه التحالفات، انها “رخوة”، وغير محددة الاهداف الاستراتيجية، وطابعها “طائفي سني”، وهدفها الاساسي هو محاربة ايران “الشيعية” وحلفائها وميليشياتها، وان كانت بعض ادبياتها تقول انها تتشكل لمحاربة ارهاب “الدولة الاسلامية” او “داعش”، وهذه الارضية الطائفية تجعلها “غير ملزمة” لدول عديدة، فدول مثل اندويسيا او ماليزيا، او حتى باكستان، لا ترى في ايران خطرا استراتيجيا، فالشيعة يشكلون ربع عدد باكستان على سبيل المثال، وتركيبة الجيش الباكستاني تعكس النسبة نفسها، كما ان هناك حوالي 20 مليون علوي في تركيا، واكثر من ثلث سكان الكويت من الشيعة ايضا.
من الواضح ان المملكة العربية السعودية تريد تشكيل حلف “ناتو” اسلامي، تتولى زعامته، وان تقوم بدور اقليمي، وربما دولي فاعل، ولكنها تقيم هذه التحالفات بسرعة ودون اعداد سليم، وتحديد استراتيجية “جامعة” ومقنعة للحكومات، ومن ثم الشعوب الاسلامية، معتمدة على قدراتها المالية التي بدأت تنكمش بشكل متسارع بانكماش اسعار النفط.
العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز سيزور مصر في الايام القليلة المقبلة، لتشكيل “محور قوي” معها في مواجهة ايران، ونفوذها في العراق وسورية ولبنان واليمن، ولكنه يصطدم بعقبة تحالفه مع تركيا، العدو اللدود للنظام المصري، والداعم الرئيسي لحركة “الاخوان المسلمين” التي تريد اطاحته، فكيف سيواجه هذه المعضلة؟ وهل تقبل مصر ان تنخرط في “ناتو” اسلامي “طائفي” تتزعمه السعودية وتحتل فيه (اي مصر) مقاعد خلفية؟
***
صحيح ان السعودية تعتبر في الوقت الراهن قوة عسكرية اقليمية ضخمة، فميزانيتها الدفاعية الحالية تصل الى 81 مليار دولار، وهي ثالث اضخم ميزانية عسكرية في العالم بعد امريكا وروسيا، حسب تقارير المعهد الدولي لابحاث السلام في ستوكهولم، ولكن لا يعني ذلك انها الاقوى في المنطقة، والقادرة على حسم الحروب العسكرية لمصلحتها؟ ولعل تجربتها الحالية في اليمن تؤكد هذا الافتراض.
وضع السعودية ودول الخليج قبل خمس سنوات عندما لامست اسعار النفط 140 دولارا للبرميل، وتجاوزت قيمة صناديقها السيادية اكثر من 3 تريليون دولار تقريبا، غير وضعها اليوم، حيث انخفصت اسعار النفط الى تحت عتبة الاربعبن دولارا، ويفيد التذكير بأن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لم يقد العرب بالعوائد النفطية والصناديق السيادية المالية المتضخمة بمئات المليارات من الدولارات، انما بمشروع نهضوي عربي عسكري وسياسي واضح المعالم، عنوانه الابرز استقلالية القرار العربي، ومحاربة الاستعمار الغربي، وتحرير فلسطين، فأين هذا المشروع النهوضي السعودي الخليجي المقابل او المماثل؟ ثم اين فلسطين من هذا المشروع؟
نسأل هذا السؤال ونحن ندرك مدى حساسية المملكة وقيادتها تجاهه، مثلما ندرك ان النطق بكلمة فلسطين بات من “المحرمات” و”الخطوط الحمر” هذه الايام، فلم اسمع هذه الكلمة مطلقا، وحتى هذه اللحظة، على لسان الامير محمد بن سلمان ولي ولي العهد، والرجل القوي في السعودية، ولا من ولي العهد الامير محمد بن نايف، وذكرونا من فضلكم اذا كنا نسينا، او اخطأنا، ولكم الشكر سلفا.