موريتانيا ,, استخراج الذهب ينعش أحلام الفقراء " تحقيق "

العثور على الأحجار الكريمة حلم كبير يراود كل شاب موريتاني  من أجل الحصول على المال وما ارتبط به من جاه وقيمة خاصة في هذا الزمن.

يعرف البحث عن الأحجار الكريمة  بأنه الطريق الأقصر نحو الثراء حيث يتحول الشاب في لحظة - لن تكون عابرة - من فقير إلى غني حين يحصل على حجر كريم يقدر بثمن في سوق المعادن النفيسة  لكنه غير مقدر به بالنسبة لمن عثر عليه خاصة في موريتانيا.

عشرات الشباب يجوبون فيافي النيجر وليبيا وغيرها تختطفهم عصابات الجريمة المنظمة وتقتلهم أحيانا أشرعة الموت السريع في بحار متلاطمة من الفقر والعجز لكن ذلك لم يثنهم عن مواصلة الرحلة من أجل المال رغم كلفتها الباهظة.

 

نقطة البداية

فجأة انتقل خبر سريع إلى أذهان كثيرين لم يصدقوه حينها  وهو أن الأحجار الكريمة من معدن الذهب الخالص توجد على مسافة لا تبلغ مائتي كلم شمال العاصمة وأن أساليب بدائية تستطيع الحصول بها على ملايين الأوقية في يوم واحد.

انتشر الخبر على وسائل التواصل الاجتماعي بالصور وخاصة عن مظِنة وجود المعدن النفيس من الأحجار ونوعياتها حيث صارت حديث سيارات النقل وجماعات العاطلين عن العمل وعند الحلاق وفي أي مكان تدخله.

بعد أخذ و رد قام بعض الشباب بالذهاب إلى المنطقة من أجل الوقوف على حقيقة ما يجري هناك وسط تكتم شديد وتلك عدوى تنتقل إلى كل من ذهب إلى هنالك وكأنه يقول إن أخبرت غيري فلن أحصل على شيء.

 

بداية الحكاية

"شباب موريتانيون خلال عملية البحث"

 

خلال إنجازنا لهذا التحقيق الأول في هذا الموضوع  اكتشفنا أن الصدفة وحدها كانت اللاعب الأساسي في العثور على المعدن النفيس.

" م ،ا ،س " رجل يحب البادية ولديه ثقافة واطلاع وإلمام كبير بالبحث عن الكنوز في آثار الأمم السالفة حيث يذهب كل عطلة أسبوع إلى البادية وكل ما مر بحجر أو أثر يتوقف ليُعمل خياله الذي لا تسعفه معلومات جيولوجية حول احتمال أن تكون هذه علامة لحضارة سالفة تركت كنوزا في المنطقة المذكورة.

منطقة " الدواس"

 

عثر " م ا س " خلال بحثه الدؤوب عن الكنوز على بعض الأحجار الكريمة في منطقة قرب " شكار " لتقوده رحلة البحث إلى منطقة " الدواسْ " في تازيازت حيث عثر صدفة على أحجار تأكد بعد ذلك أنها ذهب خالص.

تكتم الرجل على الأمر حيث أمضى ما يقارب عشرين يوما يستخرج الذهب من تلك المنطقة وحده مع 18 عاملا يتقاضى كل واحد منهم 30 %عن إنتاجه اليومي من الذهب واستخدم الرجل لذلك الغرض 15 جهازا من أجهزة الكشف عن المعادن حيث تقول معلومات السراج إنه حصل وحده في تلك الفترة على ما يقارب 18 كلغ من الذهب الخالص.

 

موسم الهجرة إلى الشمال

بعد أيام انتشر الخبر وذاع وتأكد لدى كثيرين أنه خبر صحيح ودقيق فكانت هجرة شبابية في وجه العطلة الأسبوعية إلى منطقة " الدواسْ " حيث تم استئجار أغلب سيارات العاصمة ذات الدفع الرباعي وتم اقتناء الأجهزة والزاد وتوجه الشباب إلى تلك المنطقة.

بدأت شركة " تازيازت " مضايقاتها للشباب واستعانت بالدرك الذي لم يسمح لهم بالمكوث في تلك المنطقة التي تعتبر حاضنة للكثير من الذهب لتبدأ رحلة الكر والفر والتي انتهت بإغلاق المنطقة بشكل كامل إلا من بعض المتعاونين مع الدرك ومن لهم صلات قوية بهم.

كانت أجهزة الكشف عن الذهب تباع من طرف شركة سودانية بمبلغ  860,000  أوقية وبسبب الإقبال عليها وصلت إلى ما يزيد على المليون في ظرف وجيز.

 

 

لم يترك الشباب العاطل عن العمل وحتى الغني الفرصة تفوت رغم منع رجال الدرك له ومحاباة شركة " تازيازت " لكل من يحاول الحصول على ما تريد الحصول عليه  حيث كانت أفواج أخرى في الطريق إلى تلك المنطقة تحمل جهازا وآلات حفر محلية وزادها، حيث بدأت المعركة مع الذهب بعد ذلك في منطقة أخرى وهي منطقة " تيجريت " الممتدة وخاصة منها " إشكران " و منطقة " النيش براصْ " .

يقول بعض من التقتهم السراج إن معدل الدخل اليومي للجهاز يقدر بمائة ألف أوقية ويحكون حكايات عن بعض من حصل في لحظة على قرابة كيلوغرامين من الذهب الخالص  وأنه في بعض الأحيان تقضي يوما دون أن تحصل على شيء.

تمتد منطقة " تيجريت " على مساحات واسعة  ومعها تمتد عشرات عابرات الصحاري تحمل أحلام شباب بعضهم تجار وبعضهم أطر وبعضهم عاطلون عن العمل والكل يبحث عن الذهب في تلك المنطقة.

 

قانون الذهب

لا يُعير الكثير من الشباب كبير اهتمام للدولة وقراراتها في هذا المجال لسبب بسيط _حسب هؤلاء_ وهو أن بعضهم جازف وخاطر مع عصابات المخدرات والجريمة خارج الحدود من أجل الحصول عليه فكيف به وهو بين يديه وفي وطنه.

يضيف رأي آخر أن الترسانة القانونية الموريتانية  لم تتحدث أبدا عن الاستخراج اليدوي حيث ينص القانون على الترخيص للشركات ذات الآليات الثقيلة إلا أن التنقيب الأهلي بمعدات بسيطة لم ينص عليه القانون ولم يحرمه أو يشترط ترخيصا فيه.

وقد قام الكثير من الشباب بمحاججة الدرك عند اعتقالهم قائلين لهم بأي قانون يتم اعتقالنا وماهي الجريمة التي ارتكبناها وهو ما أربك الدرك لبعض الوقت.

يرى آخرون في تصريح للسراج أن سبب محاربة الدولة للباحثين عن الذهب هو نفوذ شركة " تازيازت " وأرقامها المغلوطة في الأصل حول كمية الذهب التي يتم استخراجها يوميا معتبرين أنها لا تصرح إلا بالنزر اليسير مما تنتج ما يجعل من الاكتشاف المذهل بأساليب  بدائية أبرز دليل على احتيال الشركة حسب هؤلاء.

ويقول أحد الشباب في تصريح للسراج إن الدرك لا يهتم كثيرا بمحاربة الشباب ولا منعهم حيث إن الراتب الذي يتقاضاه أحد أفراد الدرك شهريا يمكن أن يحصل على أضعافه بشكل يومي حين يتعامل مع الباحثين عن الذهب.

 

حصيلة مقبولة

خلال تحقيقها في الذهب والتنقيب عنه في موريتانيا قابلت السراج أشخاصا حصل بعضهم بنفسه على قطع ذهبية في المنطقة المذكورة وبأساليب بدائية.

يقول أحد هؤلاء إن النوع المتحصل عليه لا يحتاج عملية كيميائية معقدة من أجل تمييز الذهب عن الأحجار الأخرى لأن الذهب يستخرج وهو جاهز بلونه وهيئته العادية.

ويضيف أنه استخرج بعضا منه من عيار 24 الذي يبلغ سعره في السوق الموريتاني حوالي 12000,000  اثني عشر مليونا من الأوقية دون مساومة ولا تأخير وأن الكثير من الشباب يبيعون ما يحصلون عليه وقت دخولهم العاصمة مضيفا أن سعر الكلغ زاد بمليونين خلال هذه الأيام حيث بلغ أربعة عشر مليون أوقية.

 وحتى إنجاز هذا التحقيق، يوجد المئات من الشباب في منطقة " تيجريت " يواصلون البحث عن المعدن النفيس ويستعد آخرون للمغادرة إلى المكان نفسه بعد أيام رغم المضايقات الكبيرة التي تقوم بها الدولة ورجال الدرك في نفس المنطقة معتبرين الأمر سحابة عابرة قائلين إن الدول التي تم اكتشاف الذهب فيها وحاولت منع المواطنين منه رضخت أخيرا لمطالبهم وفق اتفاق تضمن الدولة بموجبه شراء كل إنتاج المواطنين وهو ما على الدولة الموريتانية القيام به بدل محاربتهم في أمر تستنزف شركات كبيرة يوميا منه ما يعجز كل الشعب عن استخراجه على مدى سنوات عديدة وأن الدولة عليها الاهتمام بهذه الشركات بدل المواطنين البسطاء.

ويستغرب بعض الشباب أن تتم مصادرة الأجهزة الخاصة باكتشاف الذهب من مواطنين موريتانيين اشتورها بثمن باهظ  وتترك شركة معروفة المكان في العاصمة تبيعهم للمواطنين دون أية مضايقة ليكون الشباب وحدهم من يدفع ثمن كل ذلك.

المصدر السراج