القصة: بعد سنوات من مهاجاة الفرزدق وجرير أصبح الفرزدق كلما قرض احدى قصائده ومهما قال الشعراء عنها عن ثناء ومهما جلبت له من اعطيات يبقى قلقا حتى يقول جرير فيها رايه فاذا قال جرير كلمته سلبا أو إيجابا قال الفرزدق الآن وقد قال بن "الفاعلة" رأيه فقد زال همي وقلقي على القصيدة.
المقال: لا يخفى على معظم المتابعين للشأن الداخلي للبلد مدى الانتشاء "المعلن"
والذي يخبئ تحت طياته قلقا مخيفا حسب القريبين من قيادات الحزب الحاكم بتحقيقهم لأرقام عجز غيرهم عن الوصول اليها في بورصة المنتسبين للأحزاب أو "المتابعين " بمعنى أكثر دقة حسب ما يرجح أكثر المتمرسين في دراسة الشأن الموريتاني.
صحيح ان المراهنة على تأثير الناخب في بلد ما زال البعض يرى بأن قوة مرشحيه تأتي من "الثكنة" وليس من الناخب امر لا يعتد به، لكن الكلام هنا في حال ما إذا كانت الفرضية الثانية هي الصحيحة، وعليه فإن تلك النتائج تبين بشكل واضح أن قوة حزب الاتحاد قد بلغت أشدها من خلال مؤشر الانتساب الأخير، بينما لم يعبأ البعض بتلك النتائج مشبها إياها بمتابعي الحساب الشخصي على "اتويتر" فمهما تعددوا ووصلوا لمئات الآلاف يبقى التفاعل منحصرا في العشرات منهم.
ان فعل الانتشاء "المعلن" الذي يمارسه الحزب الحاكم في هذه الفترة لا يعد غريبا في مصطلح السياسة والذي يقوم بشكل كبير على دعامة الدعاية كركن من اركانه، والتي حصد الحزب احدى ثمراتها فور رميها في المشتلة، وهي اعلان المنتدى عن مشاركته في الاستحقاقات القادمة دون قيد او شرط، فحالة الهلع هذه التي ضربت المنتدى كانت بسبب القلق من خروجه من حسابات الناخب الوطني، أو تعرض احزابه للحل بسبب المقاطعة المتكررة للانتخابات في حال مضي الحزب الحاكم في مساره الانفرادي، وربما يكون هذا أكبر مكسب سيحققه حزب الاتحاد من نتائج الانتساب.
لكن التمرس السياسي لقادة الاتحاد ومعرفتهم بنفسية الشعب الموريتاني وبالطرق التي حصل بها الاتحاد على ارقام منتسبيه، ومدى الشفافية فيها، وممارسة شتى الضغوط القبلية والجهوية والمحسوبية والوظيفية يجعل النشوة مجرد دعاية ذات ابعاد متعددة لكنها تظل وهمية في الحقيقة، إذا بقي القادة مع أنفسهم.
وإذا قلنا بان ابعاد تلك الدعاية متعددة فإننا نعني بذلك انها موجهة في بعدها الأول الى المولاة والشارع بصفة عامة من اجل الحصول على المزيد من المراهنين على الأقوى، والقليل من العمل الصحفي الميداني يوضح ان بعض الأطراف في المولاة والمتربصين لم تكن متحمسة في دعمها للانتساب في موجته الأولى، وحينما أعلن عن النتائج الأولية بدأت الخلايا تنشط على مدار الساعة كما شاهدنا انسحابات من المعارضة نحو الموالاة بعد اعلان تلك النتائج.
وفي بعدها الثاني تأتي تلك الدعاية كاستعراض لقوة الولاء للرئيس وتباهيا امامه بمدى التأثير السياسي والوزن الانتخابي من قبل بعض السياسيين والأجنحة المتصارعة في الموالاة والحزب الحاكم نفسه، وامتدادا لصراع الزعماء القبليين واعلانا لمدى الإخلاص من قبل عرابي المؤسسة الدينية الموالية، وما تشكيلة اللجنة الوطنية "المستقلة" للانتخابات الا مصداقا للمقولة وحصدا للنتائج الأولية لتلك الاستعراضات حسب ما يرى الكثيرون.
اما البعد الثالث والأكثر تأثيرا فهو تلك الرسالة الموجهة الى المعارضة والتي تجسدت حسبما يرى المتابعون في حالة الهلع السياسي التي وصل اليها المنتدى ومسلسل التنازلات المهينة الذي أعلن عنه تباعا بعد اعلان تلك النتائج وانتشاء الحزب الحاكم "المعلن" بها والتي غيرت تكتيكات المنتدى وقلبت موازينه رأسا على عقب بل وجعلت منه "مسخرة القرن" امام من راهنوا على مواقفه وجعلوا منه مخلّصا في مرحلة زمنية حالكة، فكانوا اول من وضعوا قياداته في مرمى الاتهامات والتخوين والرمي بالمساومة على الثوابت التي تأسس من اجلها، لكن قادة المنتدى لم يعبئوا بذلك وواصلوا طريقهم نحو المجهول، وهنا يمكن تقييم الابعاد الثلاثة بأنها كانت إجابيه نسبيا.
اما البعد السلبي اليتيم حتى الآن فهو ما جسده ذلك الصمت المخيف والهدوء المرجح انه ما قبل العاصفة الذي عبر عنه تكتل القوى الديمقراطية العقبة الكؤود، وهنا يكمن أكبر منغص على انتشاء الحزب الحاكم بالنتائج التي حققها، فأي انتخابات لم يشارك فيها التكتل تبقى مضيا في المسار الانفرادي في نظر الكثير من المراقبين في الداخل والخارج، واي معارضة لم تشتمل على التكتل لن تملأ عين الرئيس وأغلبيته مهما تظاهروا بذلك، والعود الحرون احمد ولد داداه سيفكر ألف مرة ومرة قبل ان يضع يده في نفس الجحر الذي لدغ منه سابقا.
لذلك فان الرئيس واغلبيته لم يجدوا ضالتهم حتى الان، مما يفرض اتخاذ خطوات جديدة ومفاجئة خلال الفترة القادمة، وبعيدا عن تلك الخطوات حتى ولو نظمت الانتخابات في وقتها بمشاركة المنتدى دون التكتل، وحتى لو انبثق عنها برلمان جديد يمثل الاطياف السياسية سوى التكتل، وحتى لو تم حل الحزب بعدها بناء على مخرجات الحوار الأخير الذي يعرض أي حزب قاطع استحقاقين للحل، ومهما انتشى قادة الاتحاد بتلك الخطوات ظاهريا، الا ان شيئا سيبقى في النفوس، وما دام في النفس شيء فإن النشوة تظل ناقصة.
للعبرة: يتظاهر الكثيرون من ملاك الصحف بنشوة تقدم مواقعهم نحو الصدارة على مؤشر "موريتانيا الآن" من خلال شراء متابعين وهميين فيما يعرف بعملية "تسمين المواقع"، لكن نشوته تبقى مفتعلة لأنه وحده يعرف الحقيقة.