أطلق صنّاع القرار في تل أبيب العنان للإعلام العبريّ لنشر تقارير شبه يوميّة عن تعاظم ترسانة حزب الله العسكريّة، وغنيٌ عن القول إنّ التقارير تُحذّر من حصول الحزب على ما تُسّميه إسرائيل أسلحة نوعيّة، مُتقدّمة ومُتطورّة، أيْ أسلحة كاسرة للتوازن،
كما أنّ الأخبار في الإعلام العبريّ لا تخلو من التهديدات المُباشرة والمُبطنّة بشنّ عدوانٍ جديدٍ ضدّ حزب الله، بعد مرور عقد من الزمان على أخر جولة عسكريّة بينهما في صيف العام 2006، وهذه الحرب، التي وضعت أوزارها بالقرار 1701، الصادر عن مجلس الأمن الدوليّ، كانت نتيجتها التعادل: فحزب الله لم يخسر المعركة، وإسرائيل لم تربحها، علمًا أنّه لا يوجد أيّ نوع من أنواع التكافؤ في القوّة العسكريّة بين الطرفين، إذْ أنّه بحسب الإحصائيات الرسميّة فإنّ الجيش الإسرائيليّ هو من أقوى أوّل 10 جيوش في العالم. اللافت أنّه منذ العام 2006 خرج إلى النور ما يُسّمى في العلاقات الدوليّة توازن الرعب.
ووفقًا لتقديرات الجيش الإسرائيليّ، بحسب مُحلل الشؤون العسكريّة في صحيفة (هآرتس) الإسرائيليّة، عاموس هارئيل، فإنّ حزب الله حاول من خلال العمليات التي نفذّها مؤخرًا ردًّا على الاعتداءات الإسرائيليّة، حاول رسم خط أحمر أمام إسرائيل بأنّه مسموح لكم أنْ تهاجموا في سورية، لكن إذا مسستم بسيادة لبنان فسوف تدفعون الثمن.
وأضاف المحلل أنّه من الناحية الفعلية بدأ يتأسس الاشتباه بأنّ شيئًا ما أعمق يحدث هنا، وأنّ حزب الله يحاول إعادة تعريف قواعد اللعبة في المواجهة مع إسرائيل، بعد سنوات من الاستقرار النسبي على طول الحدود، بحسب تعبيره.
وساق قائلاً: يبدو أنّ الأوصاف المتكررة لأعضاء هيئة الأركان العامة الإسرائيلية حول الضائقة الإستراتيجية لحزب الله مبالغ فيها، مُشيرًا إلى أنّ الحزب جمع خبرة عسكرية هامة إلى جانب ثقة متزايدة في قدرته العسكرية (من خلال الحرب في سورية)، وفي موازاة ذلك بنى ترسانة مكونة من عشرات آلاف الصواريخ القادرة على ضرب أي هدف في الأراضي الإسرائيليّة. وأضاف هارئيل أنّ حزب الله عاد وعزز سيطرته الدينية والاقتصادية بين السكان الشيعة في لبنان. والجديد في الأمر، أنّ تل أبيب اعترفت، ومعها الولايات المتحدة، بأنّ منظومات الدفاع الجويّ الإسرائيليّ باتت عاجزةً عن تأمين الحماية للدولة العبريّة في وجه صواريخ حزب الله.
وبحسب الأنباء الواردة من تل أبيب، تشير إلى إقرار، وإنْ بصورة غير مباشرة، بأنّ هذا العجز يستدعي، لدى اندلاع المواجهة وبدء تساقط الصواريخ على إسرائيل، تدخّل المنظومات الدفاعية الأمريكيّة، بحسب المصادر الأمنيّة الرفيعة في إسرائيل.
علاوة على ذلك، لم يكُن مفاجئًا بالمرّة النشر عن أنّ الجيش الأمريكيّ يعكف على بناء قاعدةٍ عسكريّةٍ سريّةٍ بالقرب من تل أبيب، فوق وتحت الأرض، محميّة من الصواريخ، كما يخطط الجيش الأمريكيّ للتواجد فيها على مدار العام، وهي عبارة عن معسكر يضم وحدات دفاع جوي أمريكيّة لاعتراض الصواريخ، مهمته حماية إسرائيل وجبهتها الداخلية من الصواريخ بعيدة المدى، والتي أصبحت أكثر دقةً وتدميرًا، التي تملكها إيران وحزب الله وحماس.
وبحسب بعض المصادر المطلعة على ملّف بناء القاعدة السرية، فإنّها ستكون مرتبطة مباشرة مع منظومة الرادار التي تحمي مفاعل ديمونا النووي، والتي تقوم بتشغيلها الولايات المتحدة أيضًا. الإقرار الإسرائيلي بالعجز لم يأتِ من تحليل معطيات استخبارية وحسب، بل هو من النتائج التي استخلصها الجيشان الإسرائيلي والأمريكي، بعد مناورة “جنيفر كوبرا” العسكرية المشتركة الشهر الماضي. ونقل موقع (WALLA) العبريّ، عن مصدرٍ أمنيٍّ إسرائيليّ، وصفه بأنّه رفيع المُستوى، نقل عنه قوله إنّ إحدى نقاط الضعف التي ظهرت في المناورة، هي الفترة الزمنية بين بدء الهجوم الصاروخي على إسرائيل، ونشر المنظومات الأمريكية فيها ووضعها في الخدمة، وهي مدة قاتلة يعجز خلالها الجيش الأمريكيّ عن تقديم المساعدة الفاعلة، على حدّ تعبيره.
وبناءً على هذا الاستخلاص، وهو عمليًا إقرار ضمنيّ بالعجز، تقرّر العمل على تأمين وجود أمريكيّ دائم في إسرائيل لردم هذه الهوة الزمنية. وساق المصدر عينه قائلاً: لهذه الغاية بدأت الولايات المتحدة بناء قاعدة عسكرية محصنة في وسط إسرائيل، تكون على استعداد للعمل في أوقات الطوارئ، مُوضحًا في الوقت عينه أنّ القاعدة لا تزال في طور البناء، وستكون متصلة بمنشآت رادار يشغلها الجيش الأمريكيّ.
علاوة على ذلك، أكّدت المصادر الأمنيّة للموقع الإسرائيليّ خلال تناولها لقضية التهديدات الصاروخية، أنّ حزب الله تجاوز منذ عام تقريبًا عتبة الـ 120.000 صاروخ، معظمها موجه إلى إسرائيل، وأضافت أنّ الحزب يعمل في الفترة الحاليّة على استيعاب صواريخ دقيقة لضرب منشآت إستراتيجية وعسكرية إسرائيليّة.
وربمّا هذا المكان للتذكير بأنّ وزير الخارجيّة الإسرائيليّة السابق، أفيغدور ليبرمان، الذي كان يطلّع على تقديرات الأجهزة الأمنيّة في تل أبيب، وهي بطبيعة الحال سريّة جدًا، كان قد صرحّ بأنّ حزب الله يمتلك أسلحة أكثر بكثيرٍ من عددٍ من الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسيّ (الناتو).