حصل موقع الصحراء على رسالة التظلم التي وجهتها مجموعة من القضاة إلى رئيس المجلس الأعلى للقضاء رئيس الدولة محمد ولد عبد العزيز، حيث يشكوا القضاة من الترقيات التي حصلت خلال الدورة الأخيرة للمجلس الأعلى للقضاء والمنعقدة بتاريخ 22-12-2015.
وقد وصف القضاة المتظلمون تلك الترقيات بأنها جانبت الصواب وتمت على معايير تخالف القانون في اتهام ضمني لوزير العدل ابراهيم ولد داداه. وأكد القضاة خلال الرسالة أنهم "يودون من خلالها الكشف عن بعض الحقائق والملاحظات التي اشتمل عليها قرار الترقيات الأخير والذي تم تمريره على عجل في المجلس الأعلى للقضاء في دورته الأخيرة، وما تمخض عنه من أضرار بالغة طالت جُل إن لم يكن كُل القضاة حسب تعبير الرسالة.
وفيما يلي نص الرسالة:
تظلم من الترقيات الصادرة باسم المجلس الأعلى للقضاء
في دورته المنعقدة يوم 22/12/2015
إلى السيد رئيس الجمهورية رئيس المجلس الأعلى للقضاء:
يطيب لنا نحن القضاة الموقعون على هذا التظلم، ونحن نستشعر واجب التحفظ الذي تمليه المهنة، ونستحضر القيود والضوابط التي تقتضيها أخلاقيات القاضي ـ مضطرين لا مخيرين ـ أن نرفع إليكم بصفتكم رئيس المجلس الأعلى للقضاء، وبوصفكم حامي الدستور والمجسد للدولة والحَكَم الضامن للسير المضطرد والمنتظم للسلطات العمومية، بعض الحقائق والملاحظات التي اشتمل عليها قرار الترقيات الذي تم تمريره على عجل في المجلس الأعلى للقضاء في دورته الأخيرة، وما تمخض عنه من أضرار بالغة طالت جُل إن لم نقل كُل قضاة هذا البلد.
السيد رئيس المجلس الأعلى للقضاء:
لقد عملتم طيلة المجالس التي انعقدت ما بين سنتي 2009 و 2014 على توقيف الترقيات بشقها العادي أحرى الاستثنائي، حتى تكون هناك معايير واضحة وشفافة، وحرصتم على احترام تلك التوجهات، وترجمتم ذلك في أمر وزراء العدل بالعمل على تعديل النظام الأساسي للقضاء، ومراجعة نظام المعادلة (النسبة المئوية من القضاة الواجب بقاؤها في كل رتبة) الذي أعاق انسيابية تقدم القضاة طيلة عقود مضت، وشكل تشويشا أربك سير القضاة أثناء مسارهم المهني، وبينما كنا ننتظر تعديل القانون بشكل يحل هذه المعضلة، فوجئنا بالقرار موضوع التظلم الذي لم يحترم القواعد التي كانت محل انتقاد في القانون النافذ، أحرى ما كان منتظرا من معايير عادلة وشفافة.
السيد رئيس المجلس الأعلى للقضاء:
إن الترقية بالنسبة لأي موظف عمومي هي المبتغى والهدف الأسمى الذي يسعى إليه عبر البذل والاجتهاد والجد والتفاني في العمل، وبالتالي فهي بالنسبة إليه حق مقدس كما نصت على ذلك المواثيق والمعاهدات الدولية والقوانين الوطنية.
وقد تناول النظام الأساسي للقضاء حقوق التقدم والترقية في الفصل الثالث تحت عنوان التقييم والترقية في المواد 24، 25، 26، 27، 28، 29، 30، 31 جاعلا من التقييم الطريق الوحيد للترقية والتقدم.
ويتم التقييم وفق إجراءات واضحة، لم يدع المشرع لأي جهة إمكانية التأويل أو الاجتهاد فيها، لحساسيتها وملامستها لجهد القاضي وأدائه، دون تناسي التجربة وعامل الزمن، إذ عامل الزمن هو ظرف ذلك الجهد والأداء، وهذا ما جعل المشرع يعطيه دورا أساسيا في تقدم القاضي، مُجَسدا ذلك في تبني نظام الرتب، الذي يقتضي أنه لا مناص للقاضي من أن يلبث ستا وعشرين سنة من عمره الوظيفي كأقل تقدير وهو على محك المراقبة والتقييم، ثماني سنين في الرتبة الرابعة وهي أطول الفترات، لأن القاضي لازال حديث عهد بالمهنة ومعرضا أكثر من غيره لمخاطر حداثة التجربة وعثرات البدايات، وست سنين في كل رتبة من الرتب الثلاث المتبقية.
السيد رئيس المجلس الأعلى للقضاء:
إن من اطلع على محتوى قرار الترقيات موضوع التظلم يتبين ضربه عرض الحائط بمعيار الزمن وعامل التجربة، حيث فتح الباب للتسلق بدل السير داخل الرتب عبر درجات واضحة وبخطى متئدة، ولنا أن نقدم نماذج من تلك الخروقات إجمالا دون المبالغة في التفصيل.
أولا: خرق شروط التقدم:
إن النظام الأساسي للقضاء في فصل التقييم والتقدم أتاح للمجلس الأعلى للقضاء بعد تقديم اللوائح من طرف جهات التقييم (رئيس المحكمة العليا والمدعي العام لدى المحكمة العليا كل فيما يعنيه) عبر وزير العدل إمكانية ترقية من أدرج اسمه على لائحة التقدمات بثلاثة شروط:
وقد أحاط المشرع التقييم المذكور بضمانات قوية، حتى لا يظلم أحد، ولا يثرى آخر-مهنيا-على حساب غيره، ولذلك أسنده لجهات متعددة وعلى مدى فترات زمنية متطاولة، أي خلال ثلاث سنين من عطاء القاضي وتقييمه، حتى إذا أخطأه التقييم سنة أدركه أخرى، وحتى ينكشف عطاؤه وجدارته في زمن قابل للقياس، إذ سنة واحدة وسنتان لا تكشف الصورة الحقيقية فلا معدل إذا عن الثلاث.
وقد خرق قرار الترقية الأخير كل المقتضيات السابقة بترقيته لمجموعة من الزملاء القضاة ما زالوا في سنتهم الأولى من فترة التربص، دون تقييم ولا تأكيد، متجاوزا بهم دفعتين سابقتين، آخرهما اكتتبت قبل القرار بعشر سنين، علما بأن هذه الترقية تمت بانتقائية لا تستند إلى معيار واضح يميزهم عن بقية دفعتهم.
ثانيا ـ خرق شكليات لوائح جدول الترقية:
لقد نصت المادة 28 من النظام الأساسي للقضاء على أن جدول ترقية القضاة يتم بناء على اقتراحات تقدم من طرف رئيس المحكمة العليا والمدعي العام كل في ما يعنيه بوصفهما جهتي التقييم، وينحصر دور وزير العدل في مسك تلك المقترحات بيد أمينة وتقديمها أمام المجلس الأعلى للقضاء، لمناقشتها حسب المعايير القانونية، وهو مالم يحصل، بل اكتُفي بقراءة الوزير للائحة أعدت من طرفه بشكل ارتجالي لا يناسب حجم وخطورة القرار الذي يعتبره أغلب القضاة قد نسف باستثنائية مفرطة أهم ضمانة في المنظومة القضائية لاستقلالية القاضي وحياده.
ثالثا ـ خرق علنية، وآجال لوائح جدول الترقية:
لقد تضمنت المادة 29 من النظام الأساسي للقضاء آجالَ رفع لوائح الترقية وإشعار القضاة بها، حماية لحقوقهم ولتمكينهم من تلافي الأخطاء التي قد تقع أثناء إعداد تلك المقترحات، حيث نصت المادة المذكورة على أن لائحة القضاة المدرجين على جدول الترقية يوجهها وزير العدل إلى المجلس الأعلى للقضاء في الفترة ما بين فاتح أغسطس وفاتح سبتمبر من كل سنة و أن يرفعها إلى علم القضاة في نفس الفترة.
ويتضح جليا من نص المادة أنها كرست قواعد آمرة لا تجوز مخالفتها إذ من المتعارف عليه في الفقه الإجرائي الذي تعتبر الإجراءات المدنية أم الباب فيه أن الآجال إنما وضعت لمصالح الأطراف وحماية حقوقهم، وقد خرق القرار موضوع التظلم هذه المقتضيات، إذ تم التكتم على مقترح الترقية الذي قُدم أمام المجلس الأعلى للقضاء بطريقة حرمت القضاة من الاطلاع عليه وممارسة حقهم في الاعتراض عليه، ولم يسبق لهم العلم به قبل انفضاض المجلس، بل لا زال سرا مكتما لم يبلغوا به بعد، على الرغم من مرور ما يناهز ثلاثة أشهر على صدوره.
رابعاـ خرق القرار لمعادلة النسبية داخل الرتب:
لقد أسس القرار الأخير الترقياتِ الاستثنائية على الفقرة الاخيرة من المادة 27 التي تنص على أنه "من أجل تطبيق أحكام هذه المادة 27 والمادة 4 من النظام الأساسي للقضاء يجوز للمجلس الأعلى للقضاء أن يقوم بتوزيع استثنائي للقضاة بين مختلف رتب القضاء".
وبالعودة إلى أحكام المادة 27، يتضح أن الهدف الوحيد من اللجوء إلى الترقية الاستثنائية إنما هو الحفاظُ على معادلة توزيع القضاة داخل الرتب، ولم تترك لأي جهة سلطة تحديد ضوابط تلك الترقية بل أحالت على المادة 4 التي ألزمت مراعاة ضوابط الترقية العادية وخاصة ما تعلق منها بالأقدمية بين الدرجات والرتب.
وقد خرق القرار المتظلم منه الترقية الاستثنائية القانونية المذكورة في المادتين آنفتي الذكر من خلال:
1 ــ خرق معيار الاقدمية الوارد في المادة 4 التي ألزمت مراعاته في التوزيع الاستثنائي، وهو ما ترتب عليه الحكم على مجموعة كبيرة من القضاة بالحرمان من التقدم لسنين عديدة دون وجه حق.
2ـ تعميق الخلل وتوسيع الخرق في توزيع القضاة داخل الرتب بالنسب التي ألزمت بها المادة 27 بدل تصحيحه.
وسنقدم بلغة الأرقام التي لا تقبل التجوز جدولا نوضح من خلاله وضعية توزيع القضاة داخل الرتب المفترضة والحالية والمتوقعة بعد تطبيق القرار المتظلم منه.
جدول توضيحي يبين توزيع القضاة المفترض بحسب
القانون وما فيه من خلل في الحال
وتفاقم ذلك الخلل بسبب الترقيات المتظلم منها
عدد القضاة
الرتبة الرابعة
الثالثة
الثانية
الأولى
ما تقتضيه المعادلة
247
العــدد
124
62
37
25
حسب المادة 27
النسبة المئوية
%50
%25
%15
%10
من النظام الساسي للقضاء
خارج الإطار
9
الوضعية الحالية
الرتبة الرابعة
الثالثة
الثانية
الأولى
لتوزيع القضاة
العــدد
107
60
50
30
فاتح يناير 2016
النسبة المئوية
%43,32
%24
%20
%12
توضيح لتفاقم الخلل
الرتبة الرابعة
الثالثة
الثانية
الأولى
في وضعية المعادلة
العــدد
58
74
74
30
بعد الترقية 2017
النسبة المئوية
%23,482
%30
%30
%12
السيد رئيس المجلس الأعلى للقضاء :
إن هذا القرار يشكل مخالفة صريحة لأحكام المادة 31 من النظام الأساسي للقضاء التي نصت على أن جدول الترقية ينشر فور إقراره من المجلس في الجريدة الرسمية قبل فاتح يناير من كل سنة إمعانا منها في تكريس مبدأ العلنية وهو ما لم يتم، بل إن العكس هو الذي حصل، حيث إن محضر المجلس الأعلى للقضاء ظل طي الكتمان ولم يبرز للعلن حتى كتابة هذا التظلم، وقد امتنعت وزارة العدل من السماح للقضاة أو غيرهم من الاطلاع عليه ولا زالت تتكتم عليه لحد الساعة وهو ما يثير مزيدا من الاستغراب والتعجب.
السيد رئيس المجلس الأعلى للقضاء:
إن المتمعن في قرار الترقيات محل التظلم يدرك مدى فداحة الحيف والظلم الذي تعرض له جل إن لم يكن كل القضاة، حيث لم تستند تلك الترقيات على أي أساس قانوني، أو معيار موضوعي، يمكن من خلاله معرفة السبب الذي جعل القاضي الذي تمت ترقيته يدرك المعيار الذي على أساسه استفاد منها، ولا الذي حرم منها يدرك المعيار الذي لم يتوفر فيه حتى تم حرمانه منها، بل إنه وقع تفاوت في الترقية بين المستفيدين منها في الدرجات داخل الرتبة الواحدة دون وجود أي معيار يمكن الارتكان إليه لتبرير ذلك التفاوت حتى بين أصحاب الدفعة الواحدة.
السيد رئيس المجلس الأعلى للقضاء:
إن القرار موضوع التظلم من شأنه أن يلحق ضررا كبيرا بقطاع العدل على المستويين المؤسسي والفردي، فهو يكرس عرفا يجعل تقدمات القضاة خاضعة لأمزجة وزراء العدل العابرين، مما يشكل إخلالا بالغا باستقلالية القضاة وحرمة القضاء، كما أن من شأن هذا القرار أن يؤثر سلبا على الانسجام داخل التشكيلات القضائية مستقبلا، نظرا لبالغ الحرج النفسي والإحباط المهني المتولد عن الشعور بالظلم والغبن لدى بعض أعضاء التشكيلات وهم يُرأسون من طرف زملاء لهم اكتتبوا بعدهم بآماد متطاولة، بموجب ترقية خرقت كل الأسس والقواعد المنظمة للقطاع.
السيد رئيس المجلس الأعلى للقضاء:
إن النهج الذي سلكه القرار موضوع التظلم يعتبر سابقة لا تجد أساسا لها في القوانين المعمول بها، ولا مستندا من العرف القضائي في البلد، ويشكل خرقا سافرا لمبدأ المساواة المكرس دستوريا، وهو ما يقتضي تدارك الموقف وتلافي ما تضمنه القرار من ثغرات وإرجاع الأمور إلى نصابها، بما يضمن مساواة الجميع أمام القانون وفق معايير واضحة وشروط شفافة.
الموقعــــــــــــــون:
التوزيــــــــــــع: