هناك جهود حثيثة يبذلها قادة الكيان الصهيوني بدعم من إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب لفرض (إسرائيل) كأمر واقع على الشعب العربي من المحيط إلى الخليج مستغلين واقع الضعف والهشاشة والانقسام الذي يخيم على الوطن العربي من خلال علاقات التفكك والتشرذم بين الأقطار العربية وهيمنة ما يسمى بالقوى "المعتدلة" الموالية لواشنطن والغرب والقريبة من الكيان الصهيوني على المشهد السياسي العربي،
جهود أمريكية صهيونية تكللت بإعلان الإمارات والبحرين إقامة علاقات كاملة مع الاحتلال الصهيوني سموها "اتفاقيات سلام" بين الاحتلال وهذه الدول التي لم تطلق رصاصة واحدة في الصراع العربي الصهيوني منذ ما قبل 1948 وحتى اليوم، ثم تبعتها السودان (على استحياء) والمغرب الأسبوع الماضي وقبلهما مصر والأردن، وهناك تطبيع قائم مع دول عربية أخرى، وإن لم يكن هناك تمثيل متبادل، مثل سلطنة عمان التي استقبلت الإرهابي نتن ياهو بحفاوة قبل عدة أشهر، فضلا عن حماسة ولي العهد السعودي، عراب التطبيع المغربي الصهيوني، لإقامة علاقات كاملة بين السعودية والاحتلال الصهيوني.
حتى لا تموت "صفقة القرن"
ورغم أن الإغراءات منتفية في علاقات هذه الدول (العربية) مع الاحتلال، إلا أن لكل منها أهداف يتطلع لتحقيقها من إقامة علاقاته مع كيان الاحتلال، فمثلا هناك اتفاقيات (سلام) بين الكيان العنصري الغاصب مع كل من مصر والأردن تم بموجبها إنهاء حالة الحرب دون أن يكسب الفلسطينيون شيئا رغم أن قضيتهم العادلة هي مبرر اندلاع الحرب أصلا، ثم إن الإمارات تتطلع إلى (تعاون) تكنولوجي مع الكيان الصهيوني لتحظى بتفوق تكنولوجي على أشقائها العرب وجيرانها "الإيرانيين"، فضلا عن أن الإمارات تعتقد أن أمنها مهدد من طرف التنظيم العالمي للإخوان وأن إمارة قطر تدعم هذا التنظيم وتحتضنه للإضرار بأمن ومصالح الإمارات والسعودية لذلك تجد أبو ظبي في إقامة العلاقات مع الاحتلال دعما استخباراتيا لها من "أهم" جهاز استخبارات في المنطقة، دون أن نغفل أن هذا الإجراء يؤكد ولاء الإمارات لواشنطن الحليف الأول لأغلب دول الخليج العربية وهو ولاء يتجسد في دفع المبالغ الطائلة لواشنطن والاستثمارات الخليجية الكبرى في الولايات المتحدة والذي بدأ يتحول جزء هام منه إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 (إسرائيل).
كل ذلك تم تتويجه بتمويل دول الخليج لمشروع "صفقة القرن" التي بموجبها يتم إنهاء القضية الفلسطينية والقضاء على حق الفلسطينيين في إقامة دولة لهم على أرضهم المحتلة مقابل استثمارات كبيرة لصالحهم في قطاع غزة وجزء من صحراء سيناء وطي صفحة الصراع لصالح الاحتلال بهذه الطريقة وبتمويل عربي بحت. لذلك نجد أن هذه الدول (مصر، الإمارات، البحرين) تبادر إلى إعلان دعمها لكل تطبيع جديد بين الدول العربية والاحتلال الصهيوني وهو ما يفسر رغبة هذه الدول في إرغام الفلسطينيين على القبول بواقع جديد لا يجدون فيه سندا عربيا لهم بعد أن تعلن معظم الدول العربية "الوازنة" إقامة علاقات كاملة مع كيان الاحتلال وبالتالي يقبل الفلسطينيون بما هو متاح. أما المغرب فهو يقيم صفقة مقايضة مع ترامب يعترف بموجبها الأخير بتبعية الصحراء الغربية للرباط باعتبارها جزء من أراضيه مقابل إقامة المغرب علاقات كاملة مع الاحتلال الصهيوني وذلك رغم رئاسة المغرب للجنة القدس ورغم أن ترامب سيغادر البيت الأبيض قريبا والأمم المتحدة تعتبر القضية الصحراوية قضية تستدعي حلا عن طريق استفتاء لتقرير المصير.
ولا شك أن صفقة القرن ارتطمت برفض فلسطيني قاطع تمثل في مقاطعة القيادة الفلسطينية للإدارة الأمريكية ورفض أي تواصل معها بسبب اعتراف ترامب بالقدس عاصمة للاحتلال رغم وضعها الدولي، ثم الخطوات اللاحقة التي أعلنها ترامب ضد القضية والشعب والحكومة الفلسطينيين.
هذا الرفض الفلسطيني قابله إصرار أمريكي صهيوني خليجي على فرض واقع جديد يتمثل في تحالف عربي أمريكي صهيوني بموجبه تعترف أغلب دول الخليج "السنية" وحليفاتها في إفريقيا العربية بالكيان الصهيوني وتقيم معه علاقات دبلوماسية واقتصادية كاملة ليتم حشر الفلسطينيين في الزاوية وإرغامهم على ما يقترحه (الإجماع العربي) في ظل هيمنة الأنظمة العربية الحليفة لواشنطن. وذلك بعد التخلص من قيادات دول الممانعة (القضاء على العراق وليبيا وسوريا واليمن واستهداف الجزائر) بوصف هذه الدول رافضة لكل تفريط في القضية الفلسطينية.
موريتانيا حليف تقليدي للسعودية والإمارات
لا شك أن العلاقات الموريتانية مع الرياض وأبوظبي هي علاقات وطيدة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها. وتحظى موريتانيا بدعم معتبر من هذين البلدين الشقيقين، وهو ما ترجم انحياز موريتانيا السياسي والإعلامي لحرب السعودية والإمارات في اليمن حيث كانت "إسهالات" بيانات الخارجية الموريتانية، كما سماها إعلاميون موريتانيون، خير دليل على انحياز نواكشوط للرياض وأبو ظبي في هذه الحرب، حيث تندد موريتانيا بكل ما يقوم به اليمنيون ضد السعودية والإمارات وفي المقابل لم تستنكر الخارجية الموريتانية أبدا أيا من المجازر التي ارتكبها سلاح الجو التابع لهذين البلدين بحق الأبرياء المدنيين اليمنيين، وهو ما جعل البعض يصف وزارة خارجيتنا حينها بأنها "دائرة تابعة لوزارة الخارجية السعودية"، ومع ذلك رفضت موريتانيا إرسال وحدات عسكرية للقتال مع السعوديين والإماراتيين في اليمن، كما رفضت إقامة علاقات مع الاحتلال الصهيوني رغم بعض الاتصالات بهذا الخصوص من عرب وأمريكيين.
والحقيقة أن العلاقات المتميزة بين موريتانيا وأشقائها الخليجيين لا يمكن أن تدفع نواكشوط لإعادة علاقاتها مع الاحتلال وخاصة في هذه الظرفية التي يحظى فيها نظام الرئيس الغزواني بشعبية هامة وبانسجام الطيف السياسي وتناغمه وهو ما سيؤثر عليه أي قرار من هذا القبيل.
ومع ذلك تتحدث أوساط مقربة من السلطة وأخرى مقربة من السعودية والإمارات عن ضغوط قوية على نواكشوط لإقامة هذه العلاقات بحجة أنها هي "الطريق الوحيد لحل القضية الفلسطينية" وهو أمر لم تقتنع به موريتانيا مثلها مثل الكويت والجزائر وتونس وسوريا ولبنان والعراق وحتى ليبيا وغيرها من الدول العربية التي ترى أن كل اعتراف بالاحتلال هو مسمار جديد في نعش فلسطين وقضيتها العادلة وأنه دعم مباشر لكيان الاحتلال الغاصب
ضغوط خليجية على نواكشوط
وكشفت مصادر مطلعة عن ضغوط مورست على الرئيس محمد ولد الغزواني لإقناعه بأهمية العلاقات مع كيان الاحتلال، وإغراءات بالدعم وضخ استثمارات في حال قبلت نواكشوط بالفكرة.
وسبق لموقع “أفريكا إنتلجنس” المتخصص بنشر الأخبار الخاصة، أن أكد أنّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، طلب من الرئيس محمد ولد الغزواني التواصل مع رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتن ياهو، خلال زيارته إلى السعودية، في فبراير الماضي.
وتتحدث مصادر محلية عن رفض رسمي لإقامة هذه العلاقات، على الأقل في الظرفية الراهنة، في انتظار اعتراف جميع الدول العربية وإقامتها علاقات مع الاحتلال الصهيوني بما في ذلك عودة التنسيق بين كيان الاحتلال والسلطة الفلسطينية.
وما تعبر عنه الحكومة الموريتانية باستمرار هو أنها تدعم "قرارات الشرعية الدولية " و"حل الدولتين" و"حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس "الشرقية" أو "القدس الشريف".
هذا هو الموقف الرسمي الموريتاني المعلن حتى الآن والذي يؤكد دعمه للشعب الفلسطيني وقيادته وتأكيده على أنه لا حل قبل "حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة كاملة".
ويمكن القول إن إعادة العلاقات الموريتانية مع الكيان الصهيوني ليست أمرا واردا في هذه الظرفية، وإذا كان من توجه في هذا الصدد إرضاء لبعض دول الخليج ولواشنطن فإن ذلك لن يتم قبل اعتراف جميع الدول العربية الوازنة وإقامتها علاقات كاملة مع الكيان العبري الغاصب