ثمة تحولان عظيمان للقوة يحدثان في هذا القرن 21، انتقال القوة بين الدول من الغرب إلى الشرق، وانتشار القوة من الحكومات إلى الفاعلين غير الحكوميين نتيجة ثورة المعلومات. وجادل بعض المحللين بأن التحول الأول ربما يُنهي المركزية الأمريكية للتوازن العالمي للقوة ولا يزال الأمر أقل وضوحاً في ما يتعلق بما إذا كان هذا التحول سيدمر المؤسسات، والذي دعاه أحد المحللين النظام العالمي الأمريكي. ويبقى السؤال: هل ستقفز الصين لكي تقدم منافع عامة يبحث عنها أصحاب نظريات استقرار الهيمنة؟
يرى العديد من المحللين الأمريكيين، الصين باعتبارها المنازع الأكثر احتمالاً كي تتساوى مع القوة الأمريكية وتتجاوزها، وتحكم العالم، وبينما تعتمد بعض التحليلات على بعض استعراضات القوة الصينية على النمو السريع لمعدل مجموع ناتجها القومي، فإن الصين تمتلك مصادر قوة مهمة أخرى، فمساحتها تعادل مساحة الولايات المتحدة الأمريكية، وسكانها أكثر بأربع مرات، ولديها أكبر جيش في العالم، وأكثر من 250 سلاحاً نووياً، وقدرات حديثة في الفضاء والاقتصاد الإلكتروني (بما فيها أكبر عدد في العالم من مستخدمي الإنترنت).
يعتقد بعض المحللين (الذين استشهدوا بعزو المؤرخ اليوناني ثيوسيديدس الحرب البيلوبونزية إلى خوف أسبرطة من أثينا الصاعدة) أن العلاقات الأمريكية الصينية تدخل فترة من الصراع تؤلب قوة مهيمنة راسخة ضد خصم قوي على نحو متزايد. وأكد عالم السياسة مبرشيمار بصراحة، أن الصين لا تستطيع أن تصعد بشكل سلمي. وثمة أوجه تستمد أيضاً من الحرب العالمية الأولى، حين تعدت ألمانيا بريطانيا في القوة الصناعية وكان القيصر يتبع سياسة خارجية مغامرة نحو العالم، كانت كفيلة بأن تأتي بصدام مع قوة عظمى أخرى، بمعنى أن خطر «السير دون وعي» قد يقود إلى الكارثة.
وفي مقال حديث لجوزيف ناي، رأى فيه أن بعض المحللين الصينيين يقللون من قدرة أمريكا على الصمود ويتوقعون تفوق الهيمنة الصينية، وأن هذا قد يتبين أنه كان سوء تقدير خطر. ويرى أنه من الخطورة بالقدر ذاته أن يبالغ الأمريكيون في تقدير القوة الصينية أو يستخفوا بها، وتحتوي الولايات المتحدة على مجموعات لديها حوافز اقتصادية وسياسية كفيلة بدفعها إلى أي من الحالين.
وما تزال التكنولوجيا مثالاً آخر للاختلافات في التقدم. ولدى الصين إنجازات تكنولوجية مهمة ولكنها وفق المحللين الأمريكيين اعتمدت بشكل كبير على استراتيجية تقليد التكنولوجيات الأجنبية أكثر من الابتكار الداخلي.
ويظهر حجم التجارة ارتفاعاً في الإحصائيات الصينية، ولكن القيمة المضافة تظهر ارتفاعاً في الأرقام الأمريكية، وأنه إذا نظرنا إلى الأمام فعند نقطة نمو الصين سيتباطأ كما يحدث لكل الاقتصادات إذا ما تطورت، ويعتقد بعض الاقتصاديين أن اقتصاد الصين سيتباطأ إلى 5%، كما يواجه عقبات خطرة عديدة للتحول من المشروعات غير الكفوءة التي تمتلكها الدولة، وعدم المساواة المتزايدة، والبيئة المتداعية وهجرة داخلية ضخمة وشبكة أمان اجتماعية غير ملائمة. يضاف إلى ذلك أن الصين ستبدأ في مواجهة مشكلات ديموغرافية من الآثار المتأخرة لسياسة طفل واحد للأسرة، التي فرضتها في القرن العشرين، وبدأ القادمون الجدد إلى قوة العمل الصينية في التراجع عام 2011 ومع عام 2030 سيكون للصين من كبار السن أكثر مما لديها من الأطفال. ويعرب الصينيون عن قلقهم من أن بلدهم يهرم قبل أن يصبح غنياً.
وتميل سياسات الإلكترونيات إلى تعقيد آخر، فمع 600 مليون مستخدم تمتلك الصين أكبر سكان من مستخدمي الإنترنت، وكذلك نظاماً عالي التقدم وليس فقط أن العديد من مستخدمي الإنترنت ذوي نزعات قومية بشكل حاد، ولكن الأقلية من وجهة النظر الليبرالية تصفي ويعاقب المعارضون. وتمارس الشركات الرقابة الذاتية. ومع هذا، فإن تسرب المعلومات أمر حتمي، والتغلب على معلومات تتدفق بشكل كبير في وقت تستطيع فيه القيود أن تعوق النمو الاقتصادي. ومع ذلك، من الصعب الحكم على موازين القوى.
ويقول جوزيف ناي ستحتفظ الولايات المتحدة ببعض مزايا القوة الطويلة الأمد التي تتباين مع نقاط الضعف الصينية. مثل الجغرافيا، فالولايات المتحدة محاطة بالمحيطات والجيران الذين من المرجح أن يظلوا ودودين.
أما الصين فتشترك في حدودها مع 14 دولة، وتفرض منازعاتها الحدودية مع الهند، واليابان، وفيتنام، القيود على قوتها الصارمة وقوتها الناعمة، والطاقة مع ثورة النفط الصخري الأمريكية، في حين تستورد الصين الطاقة من الشرق الأوسط عبر طرق بحرية تسلط الضوء على علاقاتها المضطربة مع الهند.
ولا يزال خطر نشوب حرب قائماً أمريكياً، يأتي من الغطرسة الأمريكية والمبالغة في الخوف من الصين، والتي قد تؤدي إلى المبالغة في رد الفعل. وفي الصين من القومية الصينية المتصاعدة التي تعمل إلى جانب الإيمان بالانحدار الأمريكي على دفع الصين إلى خوض مجازفات أعظم