قراء ة في ظاهرة العبودية نشأة و انتشارا وكيف السبيل لمحاربة آثارها في موريتانيا / محمد ولد الراظي

العبودية ظاهرة مقيتة لم يسلم منها مجتمع وتفاوت الجميع في مستويات الممارسة وبشاعاتها وتعددت أشكالها في الماضي وتتعدد أشكالها في الحاضرويصرخ ضدها الصادق في رفضها ومحاربتها ويصرخ ضدها ويأخذها شعارا من تقتصر علاقته بها علي تحقيق غايات معينة ما إن يتحصل عليها حتي يكون 

أول من يدير لها ولضحاياها ظهره كأن لم يكن يوما قد قال فيها كلمة أو عنته بشيئ من قريب أو بعيد.
عاشها مجتمعنا كسواه  في الماضي وما زالت آثارها قائمة تشهد علي بشاعتها تنبئ الضحية عن نفسها في الجهل والحرمان الذي ورثته من زمن الظلم والغبن وورثته كثقافة قصور ونقص للجيل الجديد الذي ولد في عصر لم تعد معه الممارسة ممكنة ولا مقبولة.
العبودية ظاهرة كونية مقيتة لا شك، لكنها قديمة قدم البشر والمدينة، نشأت حيث نشأت إحدى أعرق الحضارات وأكثرها إزدهارا (الحضارة اليونانية) وصدرتها لباقي الأمم والشعوب دخيلة على ثقافتها وبعيدة عن قيمها، لكنها مع مرور الزمن و تعدد المصالح والحاجة لوسائل الإنتاج ترسخت حيث لم تكن وأصبحت وباء لا يسلم منه شعب ولا أمة.
عشناها نحن أيضا في الماضي ونعيش في الحاضر آثارها، عطلت جهد شريحة كبيرة منا عن العطاء، وشوهت ممارستها من قبل الآخرين فهمنا لديننا وسيرة نبينا، ووترت العلاقات بين مكونات أمة هي في أمس الحاجة للتعاضد والتكاتف.
والكتابة عن هذه الظاهرة تتطلب البحث في أسبابها وأين ومتي نشأت، وكيف تطورت، وموقف الثقافات والأديان منها خاصة في فترة أصبحت عصى دمقليس في يد الغرب للضغط على هذا النظام أو ذاك وفق حسابات المصالح في الحجم والزمن والمكان.
ماهي العبودية؟
في كل لغة مرادفات وأضداد وفي اللغة العربية العبودية عكس الحرية والسيد ضد العبد. لكن الأسير ليس حرا والسجين كذلك وقد لا يحملان صفة العبودية كما أن الشخص غير البالغ ليس حرا في كل تصرفاته وقد لا يكون هو الآخر عبدا.
من هنا تأتي الحاجة لتعريف العبودية بمعنى يختلف عن المعنى الاتمولوجي فتصبح العبودية تعني: " واقع شخص محروم من كل حرية لإختيار عمله وإقامته وبيته، وتحت إمرة شخص آخر يدعى "السيد " يستغله في كل لحظة شاء، يمكنه بيعه وابتياعه وتشغيله دون أجر والتحكم في مصيره". هذا التعريف هو الأحدث والأشمل الصادر عن اليونوسكو لهذه الظاهرة البشعة.
-*نشاتها:
برزت هذه الظاهرة للوجود عندما وضع الإنسان اللبنات الأولى للمدينة واتسعت ممارستها مع اتساع المدن وتناميها.
وفي المجتمعات البدائية لم تسلم من هذه الظاهرة سوى القبائل التي تمتهن الصيد وجني الثمار.
وقد يكون السبب عدم وجود حواضر لهؤلاء القوم مما يؤدي إلى عدم الإقامة الدائمة في مكان واحد، بالإضافة إلى نمط الحياة الذي لا يتطلب تخصصات متعددة ولا تنوعا لوسائل الإنتاج وبالتالي عدم وجود الحاجة لليد العاملة.
في مصر واليونان وروما وكل شعوب حوض البحر الأبيض المتوسط وفي بابل وما بين النهرين وفي آسيا حيث نمت وازدهرت وشعت حضارات عريقة معطاء أسست للغات وعلوم واحتضنت رسالات السماء وتنفست أفكارا وفلسفات ما تزال تعطي كل يوم، في كل هذه البلاد ظلت ظاهرة العبودية حية فيها ببشاعة تختلف مستوياتها من مصر إلى آخر ومن حقبة إلى أخرى ومن حاكم لآخر، لكنها ظلت حية تحدث عن نفسها وتشوش زهو وافتخار من ينتسب لتلك الحضارات التي "شيأت" رجالا ونساء وولدانا لا ينقصهم شيئ عدا القدرة على الدفاع عن النفس.
-*العبودية ولون البشرة:
ولم تكن العبودية عكس ما يتصور الكثير مرتبطة بلون البشرة، بل قد يستغرب القارئ أن العبودية بدأت ظاهرة تخص ذوي البشرة البيضاء.
لقد كان الرافد الأساس الذي يغذي ظاهرة العبودية باستمرار الحروب التي لا تنقطع ومن وقع أسيرا في يد عدوه يصبح عبدا و لو كان قبل فترة قصيرة من أسره سيدا من سادة جند الطرف المهزوم.
وكانت هذه الحروب التي لا تنقطع تقع عادة بين قبائل جلها أبيض في مصر وروما واليونان، وكل أسير مهما كان موقعه قبل الأسر يتم تشغيله في عمل الحقول ورعي الماشية وتنظيف وصيانة المعابد.
وهذا المصير المؤلم هو الذي يفسر تنامي الميل إلى الإنتحار بين أفراد جيش روما كلما شعروا بخطر الأسر.
وبعض الناس أصبح عبيدا لعدم تمكنه من دفع ديون مستحقة عليه، فيسددها بالعمل وخدمة الدائن فتنشأ من ذلك علاقة أخرى تنمو وتتطور لتصبح علاقة عبد بسيده.
في العصور الوسطى وقعت حروب مدمرة استمرت عهودا طويلة بين المحاربين المسيحيين والقبائل السلافية (slaves) بأوروبا الوسطى التي لم تدخل بعد في الدين المسيحي.
من نتائج تلك الحروب أن كل أسرى الحرب يتم بيعهم إلى تجار البندفية (Venise) الذين يقومون ثانية ببيعهم للعرب في الجزء الجنوبي من المتوسط.
في هذه الحقبة بالذات نشأت كلمة عبد (esclave ) للتعبير عن السلاف (Slave ) الذين وقعوا في الأسر وتم بيعهم فالظاهرة إذن في نشأتها ليست قضية بشرة لأن من عاشها بحجم الظاهرة وبشكل منتظم قبائل أوروبية بيضاء.
وانتشرت العبودية واتسعت في حوض البحر البيض المتوسط حتى أن روما في تلك الفترة كانت تضم 420000 ساكن منهم 400.000 من العبيد.
العبودية في الثقافة الغربية:
وإذا كانت الظاهرة شهدت أولى تجلياتها المنظمة والكبيرة في حجمها واتساعها في العصور الوسطى فإن تنظيرها وأدلجتها سبقت ذلك بكثير ومن حيث تنهل الحضارة الغربية وحيث جذورها الثقاقية والفلسفية مهد الفكر الإغريقي الروماني . لقد ترك هؤلاء المفكرون لمن بعدهم الحق بل واجب تملك العبيد وهو ماقد يكون من الدوافع النفسية غير المباشرة والبعيدة لأكبر وأشنع فضيحة في تاريخ الإنسان: تجارة الرقيق .
فها هو أرسطو الأب الفيلسوف بلا مواربة ولا لبس يؤكد أن " الفائدة من الحيوانات الأليفة ومن العبيد متقاربة حيث تمكننا الحيوانات والعبيد على حد سواء باللجوء إلى قوتهم البدنية من إشباع حاجات وجودنا "واضعا بكل ثقله الثقافي والفلسفي على العقل الغربي اللبنة الأولى للعنة تجارة الرقيق.
وظل صدى أرسطو حاضرا ومرافقا لتطور الثقافة الغربية التي طبعها بطابعه ووجهها الى حيث وصلت حتى أن بعض رجال الدين المسيحيين كتب يقول: " إن إلغاء العبودية يعني إدانة الروح القدس الذي يأمر العبيد بالبقاء عبيدا".
أما كلبير Colbert القائد والزعيم الذي يفتخربه الفرنسيون كلهم فيما أبدعه في الإقتصاد والإدارة" أيام  لويس 14 حيث أصبح أبا وعنوانا لمدرسة تحمل أسمه Colbertisme فمعروف عنه أنه من سن قانون الأسود عام 1683 والذي يقضي بمعاقبة العبد حين يسعى للإنعتاق من سيده:" إن الهارب أو الأسود الآبق ينبغي قطع أذنيه وتجعل علامة على كتفه في المرة الأولى فإن عاود يقطع باطن ركبته وتجعل ندبة على كتفه الآخر فإن عاود ثالثة يحكم عليه بالإعدام ..."
وفي هذا الغرب الغريب بالتناقضات، العجيب في نفاقه، لم يسمح لأسود أن يدخل المدرسة قبل عام 1833 حين بدأت ثورات العبيد.
من هذا التاريخ بدأ إلغاء الرق من قبل الحكومات الإستعمارية اضطرارا لا إيمانا وذلك لما هزت ثورات قوية مستعمرات أوربا خاصة ما شهدته Martinique et Reunion وعموم les Antilles الفرنسية، ثورات قادها أبناء "العبيد" الذين امتلأت بهم عنابر البواخر في واحدة من أكثر الحقب التاريخية ظلمة، ليساقوا كالقطعان ويباعوا لأناس أخر.
تجارة الرقيق:
نشطت هذه التجارة المقيتة لما انتظمت رحلات السفن من أوروبا حاملة البضائع والمنتجات إلى إفريقيا حيث ينتظرها هناك أمراء وملوك محليون زنوج وقد حضروا عبيدهم وانتقوهم حسب معايير الفرز المتبعة ساعتها لمقايضتهم بحمولة تلك البواخر. بعدها تتجه هذه البواخر بعد أن أفرغت حمولتها من البضائع وامتلأت من البشر - بعد فرز دقيق لا يمكن تصور أن بشرا من لحم ودم وعقل يقدم عليه، فتقاس العضلات أولا والعمر ثانيا وينظر إلى الفكين العلوى والسفلي لمعرفة مدى صحة الأسنان وتمامها-  إلى أمريكا بإشراف سماسرة مهمتهم الوحيدة تأمين اليد العاملة للمزارع الأمريكية وبأي ثمن.
الكثير منها وصل والبعض لم يصل ولم يعد، وأول رحلة وصلت إلى Jamestown وكان بها 36 إنسان ... حتى وصل أربعة ملايين في بضع سنين.
ينزل الناس مقيدين بعضهم مع بعض ويتم تعقيم عنابر البواخر من قبل أصحابها قبل ملئها بالمنتجات الزراعية الأمريكية المطلوبة في أوروبا. وتعود السفن إلى أوروبا ويكتمل مثلث تجارة الرقيق من أوروبا وإليها.
هذا كان حال العبودية لدى الأوروبيين سواء من بقي بالقارة أو من عمر أمريكا، فلسفتهم قديما نادت بها باستثناءات قليلة وساستهم ومشرعوهم دونوا القوانين المنظمة لها وتجارهم جعلوا منها وسيلة إنتاج أساس لا يمكن للمصنع ولا المزرعة ولا المتجر الإستغناء عنها.
واليوم، بعدما حصل من تغيير جراء ثورات من كان أجدادهم بالأمس عبيدا، وجراء الوعي المتزايد بضرورة إلغائها والتغير الحاصل في العلاقات الدولية وفي البناء القانوني والسياسي للعالم، بدأ الغرب في جعل العبودية عنوانا للتدخل في هذا البلد أوذاك، نصب نفسه المدافع عن ضحاياها وحامل لواء المطالبة بإلغائها !!!.
في حين لم نسمع منهم من يطالب بالتعويض لقارة أفرغت من ساكنيها ولأمم ديس شرفها ولشعوب حرمت من عطاء أبنائها في الوقت الذي نسمعهم يطالبون بالتعويض للأرمن ونراهم يعوضون لليهود ومعاناتهم كلها ترف ورخاء مقارنة بما حصل لضحايا العبودية.
بل إن هذا الغرب المنافق بدأ يربط الظاهرة تارة بدين بعينه، وطورا بأمة بذاتها وبثقافة لوحدها غرض الإساءة ، ويجد للأسف من بيننا من يرد له الصدى ويتناغم معه وهو ما يدعو إلى إنارة القارئ حول موقف شرعنا وقيمنا وثقافتنا من العبودية ظاهرة وتاريخا وواقعا.
الإسلام والعبودية:
لا خلاف في أن الإسلام اعترف بوجود العبودية كعادة قديمة متأصلة في المجتمع القرشي تماما كما الخمر وغيره، فكانت محاربتها تتطلب الكثير من الفطنة والحذر مراعاة لتقاليد مجتمع يسعى الإسلام إلى أن يتغير بروية وهدوء.
الإسلام إذن يعترف بالعبودية كظاهرة طارئة وليست أصلية ولا سمة لنوع معين من البشر لا تفارقه.
فالإنسان في الإسلام يولد حرا مكرما كما في الآية الكريمة " ولقد كرمنا بني آدم" صدق الله العظيم ، والإسلام السلام والعدل لا يقبل أبدا بإستغلال إنسان لآخر.
حقيقة الإسلام هذه هي التي دفعت بمن كانوا بالأمس عبيدا أن يسارعوا لمبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم، في الوقت الذي نفر منه سادة القوم وحاربوه.
بل إن "عبيد" الأمس لاقوا الأمرين في رحلتهم تلك من عبودية لسادة قريش إلى حرية بنور الإسلام، ورفضوا كل الإغراءات وصبروا كل العذابات للدخول في الدين الجديد. هذا وحده يكفي للدلالة على أن الإسلام كان خلاصا للعبيد، مع أن الشواهد والأدلة القاطعة من خلال الكتاب والسنة وعبر تاريخ الإسلام الراشدي كثيرة ومعبرة.
لقد اعتمد الإسلام خطين متوازيين لمحاربة العبودية:
أولا :  تجفيف منابع العبودية من خلال سن قوانين ملزمة تضيق الطريق الموصل للعبودية تجعل من العبد إبنا إضافيا حيث له ما للأولاد وعليه ما عليهم.
والحكمة من هذا أن يكون " العبد" زيادة نفقة على "مالكه" في الوقت الذي كان وسيلة إنتاج ومن شأن ذلك أن يجعل المرء يفكر ألف مرة قبل الإبقاء على "عبده" عبدا أحرى أن يسعى لزيادة "عبيده".

ثانيا :  فتح الأبواب واسعة أمام تخلص من هم مازالوا عبيدا من واقع العبودية.
فأقر الإسلام تحرير الرقاب من بين كفارة اليمين والصوم، وفرض التآخي في الإسلام بل إن الرسول صلى الله عيه وسلم تبنى زيد بن حارثة في رسالة واضحة البيان للناس أن لاعبودية بعد الآن.
كما أن أبا بكر الصديق أنفق من ماله لتحرير بلال ففتح أمامه طريق العز والسؤدد.
"لقد كانت لكم في رسول الله أسوة حسنة" أمر من الله للمسلمين أن يتبعوا رسول الله في كلما فعل ولن يكون أحد أكثر تأسى به من "ثاني أثنين" أبي بكر ابن أبي قحافة.
فإنفاق أبي بكر لتحرير العبيد ومباركة رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك وتبنيه صلى الله عليه وسلم لزيد قبل نزول آية تحريم التبني دليل قاطع أن روح الإسلام تحارب العبودية.
صحيح أن الإسلام لم يقل صراحة بتحريم العبودية ولكنه كذلك لم يقل صراحة بتحريم الخمر التي قال فيها ابن عباس "والله لو نزلت علينا اتركوا الخمر ما تركناها أبدا" لتأصلها في الثقافة الجاهلية - مع أنها عكس العبودية لا تدر نفعا لأصحابها - ولذلك جاء تحريم العبودية سلسا ومنهجيا من خلال تحديد حقوق من هم ساعتها عبيد وإلزام الناس بها شرعا ورفض البيع والشراء لذا لم تسجل حالة واحدة من بيع أو شراء في عهده صلى الله عليم وسلم ولا في عهد الخلفاء الراشدين.
لقد تحول بلال بن رباح في فترة وجيزة من عبد حبشي مهان في بدنه وروحه وكرامته إلى سيد من سادة الدين الجديد وعلم من أعلام الأمة وواحد من صفوة صحابة رسول الله.
إن المعنى الذي يستنتج من الفعل أكثر تعبيرا من ذلك الذي يدرك من القول وما قام به أبو بكر ثاني شخص في الدولة الإسلامية يدل على أن الإسلام يلاحظ وجود العبودية ولكن لا يعترف بها كصفة طبيعية و يعطي النموذج الذي ينبغي على كل مسلم حذوه.
وفي الوثت الذي لا يسمح المجتمع العبودي للعبد بأي تميز ولا يمكنه هو أصلا التفكير في ذلك نجد أن الإسلام أعطي نموذجا آخر حيث أن من كانوا بالأمس عبيدا ودخلوا الإسلام دخلوه بكل اعتبار وتقدير ولم يشعر أحد منهم بأي تمييز أو نفور منه بل إن بعضهم نال الشأو الكبير في كل صنوف المعرفة وكل دروب الفضيلة كما كان حال أسامة بن زيد بن حارثة في قيادة جيوش المسلمين في كثير من الجبهات وغيره كثير.
درسوا كالآخرين القرآن الكريم والحديث الشريف واللغة والبيان وخاضوا الحروب من مواقع الريادة كباقي إخوانهم من المسلمين.
لم يصادفوا ما يعيقهم ولم يجدوا مانعا من ولوج قمم التميز والنبوغ فهذا الإمام نافع أحد أهم مراجع المقرأ القراني وتلك رابعة العدوية آية النسك والزهد وذاك قطب الدين أيبك الذي أقام امبراطورية الإسلام في الهند ليترك للأمة أكبر تجمع إسلامي في العالم.
أما المماليك أولئك العبيد الشركس سابقا فهم من أوقف المغول في عين جالوت وهم الرجال الفرسان الذين بنوا قلعة من أقوى قلاع الإسلام.
وفي عالم الأدب والثقافة نبغ أبو عثمان الجاحظ فظلت مؤلفاته وما زالت في الأدب والبيان والتاريخ مرتع الباحثين والدارسين للثقافة العربية الإسلامية وذاك الحسن البصري وغيره كثير.
هذا هو الإسلام الصحيح وأولئك هم المسلمون الذين يعبرون بصدق عن حقيقة الإسلام وأن لا عبودية في الإسلام كما قال الفاروق عليه السلام : "متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا".
العبودية في موريتانيا:
لا شك أن العبودية كانت موجودة في البلاد، وأن شريحة مهمة من أبناء الوطن عاشت الظلم والحرمان والقهر والتسلط.
ولا خلاف في أن آثار هذه الظاهرة البغيضة ما زالت موجودة تعيق الكثير من إخواننا عن العطاء والتطور.
كما أن هذه الظاهرة لم تكن في الماضي محصورة في الوسط العربي بل إنها قد تكون أشد بشاعة في المجتمع الإفريقي الذي مازالت تحكمه قواعد وضوابط عصية على الفهم بمنطق العصر، كتشيئ المرأة وحرمانها من أبسط حقوقها المدنية والدينية، والطبقية الصارمة التي تطبع حياة هذه المجتمعات بل وحتي بعد الموت إذ لا يدفن العبيد في مقابر "السادة" .
ليس هذا هو موضوعنا الآن ولكنها توطئة لا بد منها ليدرك المناهضون لهذه الظاهرة - ونحن من أشدهم- أن مجال العمل أرحب مما يحصر البعض نفسه فيه، وأغنى بالتجاوزات التي تمس حقوق الإنسان ذكرا كان أو أنثى!
فالعبودية لم تعد موجودة قطعا في الوسط العربي أو على الأقل كظاهرة من حيث الإنتشار مما يجعل التركيز عليها مضيعة للجهد لأنه ببساطة يعني محاربة شيئ لم يعد موجودا في الوقت الذي تصرف الأنظار عن عبودية قائمة في أوساط أخرى، وعن آثار العبودية البادية في كل مكان.
مع التطور السياسي - بدءا من تأسيس وبناء الدولة والتطور الإجتماعي الناتج عن تنامى التحضر بالإضافة إلى الوعي المتنامي بالإنتماء للدولة -  تحولت آثار العبودية من آثار تعني حصريا أبناء من كانوا بالأمس مظلومين إلى ظاهرة إجتماعية عنوانها الجهل والفقر والتخلف.
ورب ضارة نافعة، فاتساع الجهل والفقر ليشمل أناسا أخر أفرغ الظاهرة من بعدها الخاص كحالة تعني فقط من كانوا بالأمس عبيدا، وهو مايسهل التعاطي معها وعلاجها.
صحيح أن نسبة الفقر والجهل أكبر لدى هؤلاء من غيرهم، ولكن الأصح أن الدولة واحدة لاتتجزأ وبرامجها التنموية لا يمكن أن تكون إنتفائية ولا يمكن أن تعتمد على معطيات لا تسير في هذا الإتجاه: الدولة الواحدة الموحدة .
وأفضل وسيلة للقضاء على الفقر والجهل أن تأخذ الدولة مسؤولياتها كاملة في المساهمة المباشرة في توجيه النفقات العمومية الإتجاه الصحيح بدعم المواد الإستهلاكية والرعاية الصحية المجانية، ومجانية التعليم والزاميته وتعميمه ومجانية الخدمات الصحية والمساواة في التوظيف وفق شروط واضحة لا مجال للتحايل عليها.
وإذا كان إبن الفقير كما الغني يذهب إلى المدرسة في زي موحد توزعه المدرسة على نفقة الدولة، وإذا كان الدفتر والقلم و الكتاب في متناول الفقير والغني بالمجان، وإذا كان المريض غنيا أو فقيرا يلقى الرعاية الصحية المجانية على نفقة الدولة، وإذا كانت المواد الأساسية من أرز ودقيق وسكر وشاي وغيره مدعومة من قبل الخزينة يحصل الفقير بوسائله المحدودة على الكمية الضرورية لإشباع حاجاته، يتقلص الفرق بينه وبين الغني لأن الحاجات الغذائية محدودة بعوامل غير مرتبطة برصيد المرء وما يملك، بإختصار إذا تحولت الدولة من حرسي للتوازنات الكبري إلى فاعل ومتدخل في النشاط الإقتصادي والإجتماعي، ستنحصر الفوارق بين الأغنياء والفقراء في قضايا الترف و مظاهر البذخ وهي ظواهر قد لا يتسابق الكثير للتنافس فيها.
عندها سنمحو آثار العبودية، وسيتطور أبناء المجتمع بسرعة متساوية، ستنمو ثقة المواطن بالدولة ويزداد شعوره بالإنتماء إليها ويكبر إستعداده للدفاع عنها عند الشدائد لأنه يرى أنه يخسر بضعفها ويقوى ويسعد بقوتها.
واجبنا جميعا الديني كما الوطني أن نقول لا للعبودية، وتبا لها من ممارسة وبعدا لها من ثقافة دخيلة علينا نشأت في الغرب واحتضنها وشرعها ونشرها في كل البلاد التي وطئتها أقدامه غازيا مستعمرا، أو وصلتها ثقافته وأفكاره.
لا عبودية في الإسلام نكررها ونصدح بأعلى صوت أن لا شرعية لها في موريتانيا، ولكننا في الوقت نفسه ينبغي أن لا نقبل التوظيف في مخططات و مؤامرات يحيكها أعداؤنا فيستقوون ببعضنا على البعض الآخر ويعزفون على كل وتر قد يفيدهم حتى إذا تم لهم المبتغي تنكروا للجميع.