هل يقتات خبراء الخارج على استسلام النخب؟

"ما حك جلدك مثل ظفرك ... تول أنت جميع أمـرك ...  وإذا قصـدت لـحاجـةٍ ...  فاقصد لمعترفٍ بقدرك" ـ الإمام الشافعي

في تكرار التناول و أكاديمية المصطلح و ضعف المخرج الذهني و العملي التطبيقي، على ندرة الاهتمامات بمتطلبات الوعي و التنمية و ضعف الحراك إليها و بعيدا عن منهجية الإعداد و الشرح و التوصيل التي تساوي بين المُتلقِين و المُلَقِنين و المُعالجين، تُطِلُّ من حين لآخر بعضُ الجهات الثقافية و العلمية و المراكز البحثية على الساحة الفكرية الراكدة بترسانة من الخبراء "المُستقدَمين" إلى البلد للخوض في أحاديث معادة إن لم تكن عن مواضيع ميتة و متجاوزة، فعن ظواهر اجتماعية و علمية و اقتصادية و سياسية و أمنية كالإرهاب في متكرر الإعادة الصارخة التي لا تأتي بجديد يصلح عذرا حتى و لا يزيد توجيها إلى مكامن الإحاطة بالقواسم المشتركة حولها و تحديدا ما يكون منذ فترة من تناول ظاهرة الإرهاب.

و إذ من المعلوم أن موضوع ظاهرة الإرهاب لم يعد يتعلق بخبير دون غفير أو يعني مركزا دون معهد أو يخص سلطة دون مواطنين في حيز أصبح يجمع الكل و تعنيه تداعياتها و أبعادها و ضرورة التصدي لها و محاربتها؛ فقد أعطي مع ذلك هؤلاء قادمون من الفضاء الخارجي ـ دون "الوطنيين" المحليين الذين و إن لا يمنحوا فيه سوى حيزا من التناول أقل إلا أنهم يَبدون فيه الأبلغ و الأقرب إلى منطق الأشياء ـ و كأن هؤلاء المستقدمين هم الأزكى في الأمر لفظا، و الأجدر في التناول طرحا، و الأنفذ في المعالجة بصيرة، و الأقوى في التبرير حجة، و الأكثر في الشمولية إلماما و إحاطة، و إنما لِتَفتح على العكس من المطلوب مُعالجاتُهم المُقدمة و المُتكررة في رتابة التناول و جمود المعطى، البابَ مجددا على مصراعيه أمام الفسطاطين التقليديين المتوازيين كالخطين اللذين لا يلتقيان أبدا و المتقاسمين أبدا تعارض الرؤى ليتجدد التراشق و الاتهام الضمني احتراما للمنبر تارة و الصريح تارة أخرى تعبيرا صريحا عن الموقف في الصميم و كأنهما أمام الجمهور في لعبة القط مع الفأر؛

·        فسطاط يرى الإرهاب كما يراه الغرب و خبراؤه دبلوماسيين و محللين من إفرازات الإسلام و إرادة المسلمين البالغة الإضرار بالحضارة الإنسانية الجديدة و يعتبرون محاربته أولوية قصوى بكل الوسائل،

·        و فسطاط يرى أن ثمة إرهابا غير معترف به رغم بشاعته و فظاظة أساليبه، إرهاب لا بد من محارته و يمارسه الغرب الصليبي ، و إن أنكر، على الإسلام من دون استحياء. و لا تعني محاربة هذا الإرهاب الغربي على الإسلام و المسلمين و الذي تشارك فيه وسائل إعلامه كصحيفة السوء "شارلي أبدو" رفضا لمحاربة الغلو في الدين الذي تمارسه تنظيمات عنيفة و تكفيرية ظلامية لا تحفظ حرمة و لا اعتبارا للنفس البشرية التي خلق الله و نشر في الأرض تعيش ما كتب الله لها ثم تقضي نحبها.

فماذا لو اتبعت هذه المراكز البحثية سنة استدعاء الخبراء العلميين من الغربيين و غيرهم لتناول مواضيع تقنية تفيد التنمية عوضا عن السياسيين الذين لا يتناولون إلا مواضيع من شأنها دائما و أبدا إثارة و تكريس الخلافات البيزنطية بين الطوائف الفكرية المتعارضة منبرا مجانيا و تضييعا للوقت الثمين الذي من الضروري صرفه في قضايا أكثرا إلحاحا و ملامسة لجراحات التخلف الغائرة و آثار ضعف الوعي المعطلة عن التفكير و التخطيط و التنفيذ.

صحيح أنه يجب أن تكون مسألة، أو بالأحرى، ظاهرة الإرهاب حاضرة في الأذهان، ماثلة في التعاطي، متجسدة في اليقظة و على أرض الواقع، و مستدعية للتأمل و التفكير و المعالجة الوقائية حتى لا تغفل بغدرها و سرعة تمثلها و انتشار بلاويها، و لكن يجب بالمقابل أن يكون الاعتماد في ذلك منصبا على الخبرات المحلية و إن لم تُوجد فلتُخلق من واقع الحاجة و الوعي بها لأنه كما يقول الإمام الشافعي رحمه الله: ما حك جلدكَ مثل ظفركَ و يضيف في رقة شعر و بالغ حكمة فتول أنت جميع أمـرك.

و أما استدعاء الخبراء من غير المنتمين قلبا و قالبا لنخبة البلد، و هم الأولى، للمعالجات التي من المفروض أن يكونوا الأكثر دراية بها و الأحق وجوبا، فإما أنه غياب أو بالأحرى انعدام الثقة في المخزون النخبوي المحلي من المثقفين و الخبراء و الأكاديميين و تلك مصيبة كبرى، و إما أنه يُؤتى من باب الترف الفكري المغالط للواقع العاجز عنه، يقلب الحقائق، يؤخر القطار و يضع في تسرع العربة من غير العجلات أمام الثور الذي لم يولد بعد.