حول الإطار القانوني لاستعادة الأموال المنهوبة: قراءة في القانون 2006/14 واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد

يمثل الفساد إحدى أهم القضايا المطروحة على الساحة الدولية في عصرنا الراهن ، كنتيجة لإدراك المجتمعات خطورة هذه الظاهرة وتداعياتها على المستوى السياسي والأقتصادي  و الإداري  والمالي و التنموي محلياً ودولياً .
وقد عرفت منظمة الشفافية الدولية الفساد بأنه " كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة " ، و اعتبرت في تقريرها الصادر مؤخرا ( مؤشر مدركات الفساد 2019 )  أن أكثر من ثلثي دول العالم بما فيها الأقتصاديات المتقدمة تعاني من مظاهر التراجع في مكافحة الفساد ، كما تبوأت بلادنا مرحلة متأخرة في مؤشر مدركات الفساد  (137 من 180 دولة شملها المؤشر ) .
هذه الوضعية المقلقة و الحرجة  جعلتنا نساؤل الآلية الوطنية لمكافحة الفساد و مدى قدرتها على المسائلة و الملاحقة الجنائية الفاعلة لمرتكبي جرائم الفساد و استرداد متحصلاتهم من عوائد و منافع مالية و منعهم من الأستفادة منها ، فما هو استرداد الأصول ؟ و كيف تتعاون الدول حين تتلقي طلبات الأسترداد ؟ و ماهي الخطوات و الشروط و الآليات المتبعة دوليا في استرداد الأصول المنهوبة ؟ و ماهي الأطر الدولية الناظمة لهذه القضية ؟ و ماهي طرق إرجاع هذه الأصول ؟ 
تتويجا لجهود المنتظم الدولي لمكافحة الفساد تم اعتماد 
ّاتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 31 أكتوبر 2003 , وهي الأحدث في الترسانة الدولية لمكافحة الإجرام الأقتصادي و الجريمة المنظمة ، و قد دخلت حيز النفاذ بتاريخ 14 دجنبر 2005 ، و تغطي الاتفاقية خمس مجالات رئيسية هي : التدابير الوقائية ( المواد 5 - 14 )  ، التجريم و إنفاذ القانون ( 15 -44 ) ، التعاون الدولي ( 43 - 49 )  ، استرداد الموجودات ( 51 - 59 )  ، المساعدة التقنية و تبادل المعلومات ( 60 -62 ) ، آليات التنفيذ ( 63 - 64 )  ، أحكام ختامية ( 65 - 71 ) . 
و قد خصص القانون 014 /2016  المتعلق بمكافحة الفساد فصله الخامس للتعاون الدولي و استرداد المحجوزات ، حيث نصت المادة 36 على إقامة علاقات تعاون قضائي على أوسع نطاق ممكن مع الدول الأطراف في الاتفاقية في مجال التحريات و المتابعات و الاجراءات القضائية ، مع مراعاة مبدأ المعاملة بالمثل . 
باستقراء المواد من 36 حتى 46 من قانون مكافحة الفساد  و المواد من 43 حتى 49 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ، و بالنظر للتجارب المقارنة في مجال استرداد الأموال المصادرة و خصوصا تجارب دول الربيع العربي يمكن القول بالطرق التالية لاسترداد الأصول المنهوبة : 
 1 - الأسترداد المباشر للممتلكات :  المادة 38 من قانون مكافحة الفساد ، المادة 53 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. 
2 - استرداد الموجودات من خلال التعاون الدولي: المادة 39 من قانون مكافحة الفساد ، المادتين 54 و 55 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. 
3 - استرداد الأصول من خلال المساعدة القانونية المتبادلة : المادة 40 من قانون مكافحة الفساد ، المادة 46 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. 
4 - استرداد الموجودات من خلال التعاون الخاص: المادة 45 من قانون مكافحة الفساد  ، المادة 56 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. 
5 - طرق إرجاع الموجودات المتأتية من الفساد : المادة 46 من قانون مكافحة الفساد ، المادة 57 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. 
و تصطدم جهود استرجاع الأموال المنهوبة بمعوقات عدة منها : 
- معوقات قانونية : تتمثل في اختلاف النظم القانونية و الإدارية مثل مقبولية الأدلة و معاهدات تبادل المساعدة القضائية المرهقة و غير الفعالة غالبا .
- معوقات إدارية و تقنية ؛ حيث تتطلب هذه العمليات جهدا استثنائيا درءا لتبديد العائدات ، ذلك أن أتعاب الخبراء و التقنيين و القانونيين تكلف أموالا باهظة .
- معوقات دولية : وتتمثل في النقص الحاصل في التنسيق بين المتدخلين ، و غياب رؤية واضحة للتعامل مع هذه الظاهرة .
فمسألة استعادة الأموال المنهوبة  ليست عملية سهلة و لا مستحيلة في الوقت ذاته ، حيث تتطلب استراتيجية و تكاتفا بين أجهزة إنفاذ القانون و على رأسها القضاء الضامن  الأساسي لتكريس دولة الحق و القانون ، بالاستتاد إلى الاتفاقيات و المبادرات الدولية ذات الصلة بالموضوع .

القاضي فاضل الإمام