المجالس الجهوية :خطوة طال انتظارها / صلاح ولد فاضل

تقديم
حين وجدت نفسي ـ  كمهتم بالشأن العام ـ أمام خطاب رئاسي يعكس الرؤية الرسمية لمختلف قضايا البلد، ويتتبعها بالتفصيل، بل ويقدم اقتراحات وينتقد مسلكيات ويدعو إلى تفاعل إيجابي يرى فيه الصالح العام للبلد.
حينها قررت المشاركة في إثراء نقاش مضامين هذا الخطاب

ـ رغم تأخر هذه المشاركةـ _معتقدا أنه ربما يمهد لمرحلة جديدة في تاريخ البلد، غير أن مساهمتي ستقتصر على الفقرة المتعلقة بإلغاء مجلس الشيوخ واستبداله بمجالس جهوية تمكن من إقامة لا مركزية تؤسس لتنمية شاملة في مختلف ولايات الوطن.
من مجالس حزب الشعب المعينة إلي المجالس الجهوية المنتخبة
المجالس الجهوية في موريتانيا تطور لنظام اللامركزية في بلد  يتمتع بحكم شبه رئاسي وبنظام إداري مركزي، وقد بدأت اللامركزية مع إنشاء مجالس للحزب الواحد (حزب الشعب )مرورا  بتجربة ‘‘هياكل تهذيب الجماهير‘‘ خلال النصف الأول من عقد الثمانينيات من  القرن الماضي ،وصولا إلي فكرة إنشاء المجالس البلدية سنة  1986 كخطوة لاحقة نحو اللامركزية وإن بصلاحيات  محدودة و بتغول ـ احياناـ من السلطة الإدارية، إضافة إلى محدودية استقلالها المالي، وغياب رقابة كافية على تسييرها، فلم تكن الدعوى تحرك ضدها إلا من طرف السلطة التنفيذية، وهو ما يعني عدم تخويل هذا الحق للمواطن العادي، كما لم تكن هناك مساطر قانونية تتيح للناخبين معاقبة العمد إذا استثنينا العقاب السياسي والمتمثل في عدم انتخابه مرة ثانية في حالة الترشح .
فالبلديات إذن لم تكن إلا جرعة محدودة في إطار التوجه نحو اللامركزية الشاملة، رغم مساهمتها في تعويد المواطنين على الترشح والإنتخاب والإختلاف وغيرها من أمور الممارسة الديمقراطية.
لقد أقر دستور 1991 ـ  من بين الأمور التي أقرـ  مجلسا للشيوخ كغرفة برلمانية عليا، وهو القرار الذي لم يكن سوى محاكاة لبعض دول المنطقة وجديد لم يتضمنه دستورا 1959 و1961 اللذين سبقاه في بلادنا. كما يشكل في محصلته النهائية نتاجا لشراء ذمم بعض "الوجهاء" وزعماء "شعبية السيولة النقدية"، عن طريق اقتراع غير مباشر، ضف إلي ذلك الميزانية التي يكلف خزينة الدولة سنويا(أزيد من مليار أوقية) .
المرافق الخدمية المهمة الأساسية للمجالس الجهوية
ليست فكرة المجالس الجهوية بالجديدة فقد تمت تجربتها في بعض بلدان المنطقة كالمغرب وتونس والسينغال، ورغم أن أهداف هذه المجالس والأدوار المنوطة بها وطرق انتخابها ومدة هذا الانتخاب، وغير ذلك، كلها قضايا لم تحدد بعد، فإن ثمة أمور متعارف عليها يناط بهذه المجالس القيام بها قياسا على غيرها من المجالس الجهوية في بلدان أخرى، كالنظر في مختلف المسائل المتعلقة بالمجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية للجهة أو الولاية، وإعداد نظرة جهوية للتنمية تشكل جزء من النظرة العامة  للمخطط الوطني لتنمية البلد.
فالتنمية الجهوية هي خلق مجهود تنموي في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وفق ما تحتاجه الولاية اعتمادا على الموارد والقدرات الذاتية للجهة، مع امكانية دعمها من مصادر أخري  خاصة بالنسبة للولايات ذات الموارد الاقتصادية المحدودة.
إن اعتماد مجلس جهوي نابع من أبناء الولاية مسلح بموارد مادية وترسانة قانونية تخوله استغلال هذه الموارد وفق ما يخدم مصالح الولاية وبرقابة قانونية تقف سدا منيعا دون العبث بهذه الموارد، سيسهم في تنميتها من خلال تحديد الأولويات انطلاقا من معرفة أعضاء هذا المجلس للأهم ثم المهم.
غيروارد ان يتخوف البعض من أن تشكل هذه المجالس الجهوية خطوة أولى نحو انفصال أو استقلال ، فهذه المجالس سيتم إنشاؤها في ظل نظام شبه رئاسي ودولة وموحدة وليست دولة فدرالية، وستعمل تحت سلطة مركزية، غير أننا يجب أن نميز بين نوعين من المرافق هما حسب أختصاصيي العلوم الإدارية:
ـ المرافق السيادية: وسيبقى تسييرها مركزيا كالعلاقات الخارجية والدفاع والتخطيط الاقتصادي العام( الثروات الاقتصادية العامة)، التخطيط التربوي العام(المناهج التربويةٍ، الجامعات)
ـ المرافق الخدمية: وهي التي تشكل العمود الفقري لاختصاص المجالس الجهوية (ٍالصحة،التعليم، الطرق المحلية، وكافة الأمور الخدمية المتعلقة بالمواطنٍ)
إذ أن هذه المجالس هي هيئات دستورية يراد منها أن تكون رافعة للتنمية في الولايات ومجسدة لللامركزية في المجال التنموي بشكل عام، فهي كالبلديات وإن بمرجعية قانونية أقوى، وصلاحيات أوسع وموارد أكثر،أما الهيئات الأمنية والعسكرية فستبقى عونا لهذه المجالس وغيرها من المؤسسات والمصالح الموجودة في الولايات.
الحاجة الي قضاء فعال
ولإنجاح هذه التجربة يجب أن يتمتع القضاء باستقلاليته التامة. وأن يتم إعداد مدونة لللامركزية تحدد دورا حاسما للسلطات الإدارية(الولاة، الحكام، رؤساء المراكز الإدارية) في المجالات السيادية ، ودورا تنسيقيا في المجالات الخدمية باعتبار أن فكرة المجالس الجهوية مبنية أساسا على التمييز بين الجوانب السيادية والجوانب الخدمية. فعلى المجالس ألا تتخذ أي قرار دون إشعار الجهات الإداريةٍ، وهو يتطلب بالمقابل مرونة في التعامل من قبل هذه السلطات مع قرارات المجالس بالجهوية. و في حالة النزاع أو الخلاف يلجأ إلى القضاء وهو ما يعني ضرورة وجود محاكم إدارية تتمتع بمساطر قانونية فعالة وطواقم قضائية سريعة الأداء.
رأي في طريقة تشكيل المجالس
وبخصوص طرق انتخاب هذه المجالس أو اختيار أعضائها ينبغي أن يمنع الترشح المستقل وتبقي الأحزاب هي الإطار الوحيد للترشح، تكريسا للمسار الديمقراطي كما يستحسن أن تجمع طريقة انتخاب هذه المجالس بين عدة صيغ كوجود نظام أغلبية في مرحلة معينة ونظام نسبي لاحقا لتتشكل بذلك فسيفساء تضمن تمثيل الجميع،ويستحسن أن يتم اختيار ثلث أعضاء هذه المجالس من الخبرات والكفاءات عن طريق التعيين.
من الضروري أن تكون هذه المجالس فرصة لتمييز إيجابي مؤقت، يستفيد منه الشباب والنساء وضحايا العبودية مع مراعاة معيار الكفاءة. على أن يكون هذا التمييز لفترة زمنية محددة.
يجب أن تخضع مختلف المشاريع التي يتم تنفيذها على مستوى الحيز الجغرافي للمجلس الجهوي لنظام صفقات مؤطر هو الآخر بمسطرة قانونية واضحة تعطي الأولية لأبناء الولاية قبل غيرهم. وهو ما يضمن تحميلهم مسؤولية النهوض بتنمية ولايتهم، فقد جرت العادة أن يتولى ـ في الغالب ـ تسيير مشاريع الولايات أشخاص ليسوا من أبناء هذه الولايات، يتذرعون ـ في حال الفشل ـ بالإجراءات الإدارية أو بطء القرار المركزي وغير ذلك، وهي أمور من المفترض أن تحد منها النصوص القانونية المنظمة لتسيير المجالس الجهوية.
ختام
إن فكرة إلغاء مجلس الشيوخ واستبداله بمجالس جهوية لها أن تجد الترحيب من طرف الجميع وأن يشارك الكل في إعداد تصورها بدء من المواد الدستورية المتعلقة بها والمتوقع أن يتضمنها التعديل الدستوري المرتقب، ومرورا بما يمكن أن تجسده على الأرض وانتهاء بتحقيق لا مركزية تغير واقع كل ولاية نحو الأحسن لنجد أنفسنا في وطن خال من ثالوث الجهل والفقر والمرض معتمدا في ذلك على الله أولا ثم على سواعد أبنائه في إتحاد يسمو على كل نظرة ضيقة من شأنها أن تقف حجر عثرة في نهضة تنموية يتوق لها الجميع.