خمسة تناقضات رئيسيّة وقع فيها وليد جنبلاط أثناء تعاطيه مع الأزمة اللبنانيّة السعوديّة.. ما هي؟ وكيف حرّض على إبعاد اللبنانيين من الخليج دون أن يقصد؟

نعترف أنّنا في هذه الصحيفة “رأي اليوم” نُتابع بشَكلٍ لصيق تصريحات السيّد وليد جنبلاط رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي، الحزب الذي لم يعد تقدّميًا، ولا اشتراكيًّا، لسببين: الأوّل اتّسامها بالتناقض في المواقف، والثاني، أنها تصريحات جاذبة للقرّاء ليس في لبنان فقط، وإنّما في كُل أنحاء الوطن العربي والعالم لغرابتها وتقلّباتها في معظم الأحيان، فالرجل اختلفنا معه أو اتّفقنا، يظل ظاهرة سياسيّة لها مدرستها الخاصّة، عُنوانها الأبرز “فنّ البقاء” في مُحيطٍ هائج.

السيّد جنبلاط أغرق في التصريحات في الأيّام القليلة الماضية، وخاصّةً فيما يتعلّق بالأزمة اللبنانيّة السعوديّة على أرضيّة التّصريحات المُثيرة للجدل لوزير الإعلام جورج قرداحي حول نظرته “الشخصيّة” للحرب الدّائرة حاليًّا في اليمن مُنذ سبع سنوات.

الجديد في تصريحاته، ولفتت نظرنا قوله في حديث مع مجلة “لوريان لوجور” الفرنسيّة ونشرته اليوم “لا أُريد الانضمام إلى جبهةٍ سياسيّة ضدّ “حزب الله” لقد اكتفيت من الجبهات فأنا لست رجل أحد ولن يأخذني أحد كأمر مُسلّم به”، لافتًا أنه يتلاقى مع مواقف “حزب الله” وهذا يُناسب الحزب، ولكن عندما تُعارض مصالحه فإنّه في مرماه”.

كلامٌ جميل لا غُبار عليه، ولكنّ السيّد جنبلاط وفي المُقابلة نفسها ناقض نفسه عندما قال “سأتحالف في جبل لبنان مع القوّات اللبنانيّة (بقيادة سمير جعجع) ضدّ التيّار الوطني الحر الذي يتزعّمه السيّد جبران باسيل وأسّسه الرئيس ميشال عون”.

التيّار الوطني الحر هو الحليف المسيحي الأبرز لحزب الله، ومن يتحالف مع القوّات اللبنانيّة (جنبلاط)، ورئيسها سمير جعجع ينخرط في جبهة ضدّ “حزب الله” الأمر الذي ينسف أقواله السّابقة التي قال فيها إنّه لن ينضم إلى أيّ جبهةٍ سياسيّة ضدّه، أيّ “حزب الله”.

تناقضٌ آخَر وقع فيه السيّد جنبلاط الذي يؤكّد دائمًا على السيادة اللبنانيّة، عندما قال في حديثٍ مع محطّة “إم تي في” التي يملكها حزب القوّات، “المخرج الآتي للأزمة الخليجيّة يبدأ بإقالة وزير الإعلام جورج قرداحي ثمّ الاعتذار من الخليج وليس العكس”، وهاجم الشيخ نعيم قاسم نائب أمين “حزب الله” الذي قال إنّه صبر عليه طويلًا، أيّ الحزب، الذي قال إنّه “خرّب بيوت اللبنانيين في الخليج” لأنّ الشيخ نعيم طالب السعوديّة بالاعتِذار للبنان.

السيّد جنبلاط، وهو السّياسي المُخضرم يُغالط نفسه، ويظهر بمظهر عدم المُتابع لتطوّرات أزمة بلاده مع دول الخليج، ويُمكن أن نلفت نظره في هذا المِضمار في عدّة نُقاط ونأمل أن يتّسع صدره لها:

الأولى: الزيارة التي قام بها وزير الخارجيّة الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد إلى دِمشق التي يُقاطعها السيّد جنبلاط، ولقائه مع الرئيس بشار الأسد حليف “حزب الله” وإيران، ممّا يعني أنّ التّعميم خطأ، وأنّ هُناك تغيير في الموقف الخليجي.

الثانية: تصريح وزير الخارجيّة السعودي الامير فيصل بن فرحان آل سعود التي قال فيها إنّ مُشكلة السعوديّة مع لبنان ليست بسبب أقوال الوزير القرداحي، وإنّما بسبب هيمنة “حزب الله” على لبنان، فكيف يقول السيّد جنبلاط إنّ حلّ هذه الأزمة في اعتِذار الوزير وإقالته أو استقالته؟ وهل يُؤيّد هذه الهجمة على هذا الحزب الذي وصفه عبد الله بوحبيب وزير الخارجيّة اللبناني بأنّه مُكوّن أساسي في النّسيج اللبناني؟

الثالثة: “حزب الله” لم يخرب بيت اللبنانيين في السعوديّة ودول الخليج، فسياسية الإبعاد هذه مُدانة سواءً من السعوديّة أو غيرها، مُضافًا إلى ذلك أن المملكة أكّدت انها لن تُرَحِّل اللبنانيين العاملين على أرضها، والشّيء نفسه أكّدته دول خليجيّة أُخرى، فَمِن أين جاء السيد جنبلاط بمعلوماته هذه اللّهمّ إذا كان يُحرّض بشَكلٍ غير مُباشر لإبعادهم، أو يملك معلومات مؤكّدة بأنّ عمليّة التّرحيل قادمة، ولم يتّخذ أيّ خطوة وهو صديق للرياض على منعها، حسب علمنا.

الرابعة: السيّد جنبلاط يُكرّر دائمًا جُملة “غير مفيدة” تقول بأنّ أزمة تصريحات الوزير القرداحي أدّت إلى عزل السعوديّة ودول الخليج للبنان، وهذه مُغالطة كبيرة، لأنّ ما حدث هو العكس تمامًا، فلبنان هو الذي عزل السعوديّة، بدليل أنّ السعوديّة وثلاث دول خليجيّة أُخرى فقط هي التي سحبت سُفراءها من بيروت بينما هُناك 18 دولة عربيّة لم تُقدِم على هذه الخطوة مجموع سُكّانها أكثر من 400 مِليون نسمة أبرزها مِصر والجزائر والمغرب والعِراق وسورية والسودان وتونس والقائمة تطول.

الخامسة: قال السيّد جنبلاط في حديث مع قناة “روسيا اليوم” إنّه لا يمانع عرض إيران لبناء محطّة كهرباء للبنان، وأضاف ساخِرًا “فلنلحق الكذّاب لباب الدّار”، وهذا التّصريح مُستهجن، وربّما يُفيد التّذكير بأنّ ناقلات النفط الإيرانيّة، وليس السعوديّة أو الخليجيّة هي التي أنقذت لبنان من أزمة المحروقات الخانقة.

خِتامًا، نتمنّى على السيّد جنبلاط أن يصوم عن التّعليقات والمُقابلات الصحافيّة ولو لفترةٍ قصيرة حرصًا على إرث والده الشّهيد الوطني، ومصالح طائفته الكريمة والوطنيّة، وإجراء مُراجعة سياسيّة شاملة، وبعدها فلينضم إلى من شاء من التكتّلات والجبهات السياسيّة سواءً مع “حزب الله” أو ضدّه، وهذا لا يعني، ما عاذ الله، مُعارضة حقّه في التّعبير عن وجهة نظره في ما شاء من القضايا اللبنانيّة أو العربيّة.