زوم الصحراء (10).. الحرب الأوكرانية.. أين تصل الشظايا؟

كان واضحا حتى قبل أن تندلع أنها ليست حربا عادية، وأن تأثيراتها لن تقتصر على "ساحتها" المباشرة؛ فاطرافها المتحاربة، وميدانها "القتالي" وأهدافها المعلنة أمور جعلت الخشية من أن تكون حربا عالمية ثالثة على ألسن أغلب الاستراتيجيين.

اليوم والحرب تنهي أسبوعها الأول دون حسم سريع كما خططت موسكو وأرادت؛ باتت أسئلة مديات الحرب وتأثيراتها تتشعب وأصبح العالم كله يتابعها من موقع تأثيرها المباشر عليه، في الزوم لهذا الأسبوع نتعقب الشظايا الواقعة أو المتوقعة على المنطقة التي ننتمي لها وعلينا بصفة خاصة، ماهي وفي أي مجال، وكيف يتوقع أن يكون التعاطي معها..؟

 

ما بقي غير الحرب
يستطيع من يتابع تطور العلاقة بين روسيا والغرب خلال السنوات الأخيرة أن يدرك بوضوح أنها "سائرة" في طريق الحرب فبوتين المسكون بروح القيصر وضع الجمهورية الروسية في عهده هدف استعادة "المجد السوفيتي" وسار على درب الاستعادة بكثير من العزم والجرأة والمغامرة، والغرب الذي يعتبر نفسه المنتصر على الشرق منذ ثلاثة عقود غير مستعد للعودة للوراء والتفريط في مكتسبات ما بعد "انهيار المعسكر " و "سقوط الجدار".

 

هكذا ظل بوتين يتقدم للهدف وظل الغرب يمضي في مسار التجاوز، ودخل كل من الطرفين في الحديقة الخلفية للآخر (الغرب في الجمهوريات السوفياتية السابقة وروسيا في الشرق الأوسط وشمال وغرب  إفريقيا) إلى أن حانت لحظة الحقيقة؛ لحظة الحرب.

 

أين تصل الشظايا..؟ 
مع نهاية الأسبوع الأول من الحرب التي تتعزز احتمالات استمرارها لبعض الوقت؛ اتضح أنه ليست الصواريخ العسكرية وحدها "طويلة المدى" فالكثير من الأدوات المستخدمة وأولها تلك الاقتصادية  والاستراتيجية تصل مديات أبعد:

 

- فعلى المستوى الاقتصادي ستكون الشظايا هنا صعبة حين نستحضر تداعيات الأزمة في بعدين فقط وهما ارتفاع أسعار النفط، وارتفاع أسعار القمح (تجاوز سعره حاجز المائتي ألف قديمة قبل نهاية الأسبوع الأول وتوقعات بأن يقارب حاجز الثلاثمائة ألف في حال استمرت الحرب) وهو ما سيكون له تأثيره البالغ اقتصاديا واجتماعيا نتيجة الاعتماد الكبير عليه ليس في النظام الغذائي البشري فقط بل لمحوريته في أعلاف الحيوان أيضا في سنة يطبعها الجفاف وتمنع الظروف الأمنية المضطربة في مالي المنمين في الولايات الرعوية من الانتجاع بها في أشهر الصيف كماهي عادتهم.

 

- أما على المستوى الجيو- استراتيجي فالراجح أن طرفي الصراع (روسيا والغرب) سيخوضان حربهما هنا أيضًا بضراوة أكبر؛ فروسيا التي تكتوي بنار الحرب الاقتصادية والتقنية في خاصرتها لن تظل مكتوفة الأيدي في مناطق نفوذها الجديدة في الخاصرة الغربية (وخصوصا في منطقة الساحل) ولعل هذا ما يفسر تعنت حلف روسيا في المنطقة (المجلس العسكري في مالي الواقع هو الآخر تحت حصار من دول المنظمة الاقتصادية لدول غرب افريقيا).

 

.. وأين نحن..؟
يبدو الموقف الموريتاني منسجما مع عموم الموقف في المنطقة الميال للحذر والترقب حتى تتضح الخيوط، وكان لافتا أن الدبلوماسية الروسية بدت الأنشط في الأسبوع الأول لكن الراجح أن ذلك لن يجر البلد إلى انحياز في حرب تدل كل المؤشرات أنه سيكون للانحياز فيها ثمن باهظ.

 

وعموما -سيكون أسبوع الحرب الثاني- محددا لمعرفة طبيعة العروض التي سيقدم طرفا النزاع للدول التي لم تتخندق بعد، وكيف ستتعامل معها ،كما أنه سيحدد ما إن كانت المدافع ستفسح الطريق أمام تفاهمات في المفاوضات المرتقبة على الحدود الأوكرانية البيلا روسية، أم أن تلك المفاوضات ليست سوى استراحة "متحاربين" يريدون الظهور أمام الرأي العام بمظهر الساعي للسلام المضطر للعودة للحرب.