خواطر حول الرسالة الحضارية للدولة الحديثة / أحمدوولد لكبيد

مع أني لست متخصصا في الاقتصاد، إلا أن مجموعة من الخواطر ما فتئت تراودني حول دور الدولة في عالمنا المعاصر، خصوصا في بلدان العالم الثالث. مفاد هذه التأملات أن فعالية الدولة الحديثة ونجاعتها تقاسان بالانعكاس الإيجابي لمحصلة نشاطها التنموي على شبكة المؤشرات التالية:
- زيادة حجم الناتج الوطني الخام وتنويع مصادره، وجعل رقم الصادرات يفيض عن رقم الواردات؛

- الحرص على جعل كل مواطن يستفيد من هذا الناتج الوطني بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر من خلال خفض معدلات التضخم، الدفع بأسعار المواد الأساسية نحو التراجع والاستقرار، التحسين الملموس من جودة الخدمات الصحية والتربوية والإدارية، الرعاية المستمرة والمباشرة للفئات لأكثر هشاشة في السكان(الأطفال، الحوامل، المسنين، المعوقين، وجعل الخدمات الصحية مجانا للأطفال والحوامل ...)،
- المحاربة الممنهجة للبطالة، وتوفير فرص العمل لكل مواطن من أجل حياة كريمة، باعتبار ذلك تحصينا من الأمراض النفسية المدمرة التي يعاني منها العاطلون عن العمل، ومن الانحراف والتوترات الاجتماعية، خصوصا في صفوف حملة الشهادات العالية الذين تحملوا شتى أنواع العذاب وآلام الغربة، ليكون مصيرهم بعد عودتهم إلى أحضان وطنهم الإهمال والتهميش، وفي هذا السياق يمكن اقتراح الإجراءات التالية:
- إنشاء اعتماد مالي لتقديم إعانات نقدية مناسبة للعاطلين المسجلين في انتظار حصولهم على عمل، كنوع من التضامن معهم وأن الوطن لم يتخل عنهم، فقد تعودنا في دولة العالم الثالث أن تتقاسم فئة محدودة ميزانية الدولة تحت مجموعة من الألقاب والمعايير الضيقة، يبررون بها حرمان الغالبية العظمى من الشعب الاستفادة من مداخيل وطنهم؛
- ومن المفيد في هذا المقام تخفيض المرتبات الضخمة التي يتقاضاها المسؤولون الكبار وتتجاوز الملايين، طبقا لتمييز موروث عن عهد المستعمر الفرنسي، لأسباب معروفة، فهذا الإجراء من شأنه أن يوفر فرص عمل لمئات العاطلين عن العمل، ويحقق مزيدا من العدالة وترشيد موارد الدولة، وكذلك الحد من البنيات الإدارية الزائدة، بدمج عدة وزارات أو مؤسسات في بنية إدارية واحدة؛
-
- التحسين المستمر من البنية التحتية وتعميمها على كل مناطق الوطن، والعمل المنظم للحد من الفارق الشاسع بين المدينة والريف، فقد ظل هذا الأخير في العالم الثالث غارقا في جهله وظلامه وفقره، مما يؤدي بالسكان إلى الهجرة نحو المدن بحثا عن الغذاء والماء والكهرباء، وطلبا للعمل والتعليم، مما يفضي إلى إفراغ هذا الريف من قوته الحية وحرمان البلاد من موارد اقتصادية معتبرة زراعية وحيوانية؛
- الوقوف الحاسم والرادع في وجه المحسوبية والزبونية والقبلية التي ما فتئت الدولة في البلدان النامية تعاني منها، فتحاول دوائر مقربة من المسؤولين النافذين الاستحواذ على صنع القرار والاستئثار بالصفقات وتغيير نتائج المسابقات الوطنية لصالحها واللائحة تطول، إنها تصبح عائقا وقوة عمياء سرية تمنع أجهزة الدولة من القيام بعملها، ويؤدي نشاطها المكشوف إلى تدمير ثقة المواطن في مصداقية دولته، وتولد عنده شعورا عميقا بالظلم والغبن وخيانة الأمانة، مما يحول الشعارات الكبرى والخطاب التعبوي الجمعوي إلى كلام فارغ وزائف؛
- العمل على الحد من بيروقراطية الإدارة وسطوتها واستبداديتها وفسادها.
وفي نهاية هذه الخواطر أليس من الوارد أن نتساءل أين موقع بلادنا من هذه المؤشرات؟