موريتانيا تدير الأزمة مع مالي بعصا المناورات العسكرية وجزرة التطمينات الحكومية

شهدت الأسابيع الأخيرة بعض التوترات على الحدود الموريتانية المالية، وهي توترات انقسم المتابعون حول تقييمها ما بين من يدق طبول الحرب ومن يوزع رمز الحمامة وغصن الزيتون.

الفريق الأول يبرر صفارات الإنذار، التي يطلقها من حين لآخر، بانتهاكات متتالية لحدود موريتانيا وقتل متواصل لرعاياها، وترويع مستمر لمواطنيها في المدن والقرى الواقعة على خط الحدود.. بينما يحمل الفريق الثاني مواطني موريتانيا داخل الأراضي المالية مسؤولية عدم إبراز هوياتهم للجيش المالي ومجموعة فاغنر الروسية حتى لا يتعرضوا للقتل او التعذيب أو نهب الممتلكات، كما يحملون بعض مواطني موريتانيا مسؤولية تعرضهم للمخاطر بسبب تعاملهم مع المجموعات المسلحة الخارجة عن سيطرة باماكو، مؤكدين أن مالي تحترم موريتانيا وتقدر لها موقفها الإيجابي من الحصار الذي فرضته "الإيكواس" عليها بعد الانقلاب الذي أطاح بالرئيس المنتخب.

وفي ظل هذا المشهد المتأزم في بعض صفحات التواصل الاجتماعي ظلت الحكومة الموريتانية تؤكد أن قواتها المسلحة جاهزة لحماية الوطن والمواطنين، وأن الأمور تحت السيطرة.

ونظرا لعلو صوت التخويف والدعوة للحرب مع مالي وحصارها، قررت الحكومة وضع الأمور في نصابها، ممسكة عصا علاج القضية من وسطها.

ففي الأمس القريب، أوفد رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني وزيري الداخلية والدفاع إلى المناطق الحدودية مع مالي، وتحديدا إلى مقاطعة عدل بگرو، محملين برسالة واضحة مفادها أنه لا وجود أي مشكلة سياسية أو حدودية مع دولة مالي المجاورة، وفي ذات الوقت فإن موريتانيا لن تقبل بأي مساس بأمن مواطنيها.

وفي ذات السياق، إكد وزير الداخلية، السيد محمد أحمد ولد محمد الأمين، أن “مالي بلد جار وشقيق، ليست بيننا معه أي مشكلة، ومنذ الاستقلال لم تحدث بيننا أي مشكلة، والأمثلة موجودة على ذلك”.

رسالة رئيس الجمهورية الموجهة إلى السكان المحليين، والتي تحدث عنها وزير الداخلية في اجتماع موسع في مدينة عدل بگرو، تأتي في إطار “التجاوب مع الأحداث الأخيرة التي وقعت على الحدود”، في إشارة إلى حوادث الاعتداء على مواطنين موريتانيين داخل الشريط الحدودي، من طرف وحدات من الجيش المالي مدعومة من مجموعة (فاغنر) الروسية.

وأضاف وزير الداخلية: “رئيس الجمهورية أعطانا تعليمات بالانتقال لكم، وتنظيم زيارات ميدانية لمناطق حدودية في مقاطعات الحوض الشرقي جميعها”، وقال: “نود أن نعبر عن أسفنا وألمنا وإدانتنا لتلك الأحداث التي تضرر منها مواطنونا، سواء في القرى الحدودية أو داخل البلد الشقيق مالي”.

وقال الوزير مخاطبًا السكان المحليين: “رسالة فخامة رئيس الجمهورية هي لتأكيد أن أمنكم وأمن ممتلكاتكم وقراكم أولوية عنده وعند الجيش، وأن الجيش موجود على الحدود وسيتعزز وجوده في الأيام القادمة”.

وشدد وزير الداخلية في حديثه مع السكان: “كونوا مطمئنين على أنكم في دولتكم، وبالتالي فإن وجودكم وأمنكم ونشاطكم الزراعي والرعوي يجب أن تستمروا فيه بطريقة طبيعية وعادية، لأنه لا توجد أي مشكلة”.

وخلص الوزير في هذا السياق إلى أن السلطات ستعمل على تعزيز وإكمال البنية التحتية في المنطقة، مشيرًا إلى أن “اللاجئين الذين قدموا من الأراضي المالية، سواء كانوا منمين أو مواطنين عاديين، سيجدون المؤازرة والمساعدة، وقد أصدرنا قبل قليل تعليمات للمصالح الجهوية أن تبدأ في حفر آبار، وتجميعهم وإحصاءهم، وسيجدون ما يستحقونه من مساعدات”.

وعمد وزير الداخلية إلى التذكير بأن موريتانيا رفضت حصار مالي حين قررت دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) ذلك ، مشيرا إلى أن موريتانيا تركت حدودها مفتوحة وأصبحت تدخل إليها المحروقات والبضائع من أسواق موريتانيا وعبر موانئ موريتانيا.

وأشار ولد محمد الأمين إلى أن قرار عدم حصار الجارة الشرقية مالي أتى من رئيس الجمهورية والحكومة والشعب الموريتاني وبدون أن تطلبه مالي.

ما وأوضح الوزير: "لم ننتظر أن يأتينا الطلب من مالي بل قمنا به من تلقاء أنفسنا لأنهم أولا جار وأنتم تعرفون حق الجار، وثانيا لأنهم مسلمون، وثالثا لم يسبق أن لقينا منهم إلا الخير، يستقبلون مواشينا وتجارنا ومرضانا، ونعبر من أرضهم نحو دول أفريقيا حيث توجد جالياتنا".

وأضاف الوزير أن مالي سبق أن قدمت لموريتانيا الكثير من الخدمات، "وحين احتاجوا إلينا وفي وضعية أمنية خاصة، ليسوا بحاجة لأن يطلبوا مساعدتنا حين حاصرتهم بقية الدول، فقمنا بالواجب بدون طلب منهم ودون منٍّ عليهم، واستمرت الحدود مفتوحة لثمانية أشهر".

وقال وزير الداخلية إنه حين انتهت الأزمة ورفع الحصار، أرسلت مالي وفدا ضم خمسة وزراء يشكرون الرئيس والحكومة والشعب الموريتاني على هذه الوقفة التي قالوا إنهم لن ينسوها أبدًا، والتي قالوا إنها جاءت دون طلب أو منة، حتى الإعلام الموريتاني لم يتطرق لها.

وأشار وزير الداخلية إلى أن هنالك معطى جديد يتمثل في التواصل الاجتماعي، لافتا إلى أنه لكل أحد أن يكون بمثابة إذاعة أو تلفزيون يبث ويرسل، وقد لا يكون في الميدان والمعلومات التي يبث غير دقيقة، وقد يبث صورا قديمة على أنها جديدة، وقد تبث صور إنسان تعرض للاعتداء ودمه سائل، وهو لا يوجد أصلا في موريتانيا.

وقال الوزير إن من يبثون التحريض وتسميم الأجواء والتهويل قد "لا يكون شغلهم الشاغل حسن علاقات الجوار مع هذا البلد الشقيق، ولا استقرار هذه الولاية ( الحوض الشرقي)، قد تكون ليست لديهم معلومات وقد تكون نواياهم سيئة ولديهم أجندات خاصة"، محذرا من هذا النوع من الإعلام ومن خطورته، حسب تعبيره 

وبالتوازي مع زيارة الوفد الحكومي للحدود الشرقية مع مالي، أعلن الجيش الموريتاني أنه قام بتمرين تعبوي لتجريب تعاون وتنسيق مختلف أنواع الأسلحة أثناء سير المعركة.

ووفق ما نشر الجيش عبر صحفته على فيسبوك، فقد شاركت أسلحة الطيران والمدفعية والقوات الخاصة في تدمير عدو افتراضي حاول التسلل داخل التراب الوطني لغرض تنفيذ عمل عدواني.

وحسب المصدر نفسه اشفع التمرين المذكور برماية تجريبية، لاختبار فعالية منظومة راجمات صواريخ 107، التابعة لسلاح المدفعية.

 ويتميز هذا النوع من الصواريخ بحركيته وكثافته النارية العالية، ووتيرة الرماية السريعة، وهو قادر على تدمير مواقع العدو في الميادين الصعبة.

وأعلن الجيش أنه قام أيضا بتنفيذ رماية ناجحة لبطاريات مدفعية ثقيلة نوع هاوتزر عيار 122 مم، ويتكفل هذا السلاح أثناء القتال، بتدمير المواقع الخلفية والأمامية للعدو، بالإضافة إلى تحصيناته ومواقع إرساله.

وبهذين النشاطين المتزامنين، المدني والعسكري، تكون موريتانيا قد أدارت الأزمة مع مالي بعصا المناورات العسكرية وجزرة التطمينات الحكومية.

 

نقلا عن ىوكالة الوئام الوطني للأنباء