ماذا بعد؟

لقد انتهى الحوار الشامل بين الأغلبية وبعض المعارضة، ولا يختلف اثنان على أن الحوار أو التفاوض أو التشاور، سمه ما شئت، من أقدم الوسائل لحلحلة المشاكل التي تطرح على الأفراد والمجتمعات، وهو بلا شك من أهم عناصر السياسة الواعية، وبالتالي فلا يمكن لأي كان أن يتنصل من أهميته، غير أنه في الواقع وسيلة لا غاية، ومن هنا يجب أن يكون توافقيا وممهدا له من جميع الأطراف حتى تكون لمخرجاته مصداقية كاملة.
ورغم أن الحوار الذي قامت به الأغلبية وبعض المعارضين استطاع أن يتطرق لبعض المشاكل المطروحة على البلد ولو بصورة موجزة، أو عابرة، إن صح التعبير، من وجهة نظرنا نحن، وكاملا من وجهة نظر بعض القائمين عليه، إلا أنه في الواقع يبقى ناقصا من الناحيتين الشكلية والمضمونية، فهو لم يتطرق بشكل مفصل ودقيق للمشاكل الوطنية المتراكمة التي تشكل مرتعا خصبا لكل الذين لا يريدون الخير لهذا البلد، مثل الهوية والوحدة والتوجه السياسي وكيفية التبادل السلمي على السلطة، والتنمية الاقتصادية المستدامة والإصلاح المرجو للتعليم والصحة ومشكل البطالة وتسهيل الحياة المعيشية للمواطنين...، كما لم تشارك فيه بعض القوى الحية في البلد.
إن الاحتقان السياسي حاصل، شئنا أم أبينا، ولن يحل إلا بتوافق جميع الأطراف التي تسببت في صنعه. (إني من الذين يرفضون عدم المشاركة، ويعتبرون المقعد الشاغر خارج نطاق السياسة) كما أنني في نفس الوقت من الذين يعتبرون العمل الأحادي كذلك خارج نطاق السياسة، فعلى الجميع إذا أن يتحمل مسؤوليته الوطنية والأخلاقية ويبتعد عن الأنانية والأحادية وتجاهل الآخر، ونعتبر أن كلا منا ليس عدوا للآخر، بل هو شريك، إذ في السياسة ليس هناك عدو دائم ولا صديق دائم، إن على الجميع مسؤولية التعاطي مع الأحداث بكل مرونة وترو بعيدا عن التشنج وروح الإقصاء، كي يتمكن الجميع من التغلب على المصاعب التي يمر بها بلدنا العزيز، ويخرجه منها إلى بر الأمان.
إن الأغلبية ومن كان معها من المعارضة اتفقوا على مخرجات- كاملة كانت أو ناقصة- لا يهم، وأوصوا الحكومة بتطبيقها وقالت إنها ملتزمة بتطبيقها في أقرب فرصة ممكنة، فلم يبق في اعتقادي أمامنا نحن في المعارضة الوازنة أو الراديكالية، أو المتطرفة في نظر البعض، لا يهم، إلا أن نأخذ المبادرة ونبدأ في التحضير، وفي أسرع وقت ممكن، لفتح حوار شامل يضم جميع أطرافها (المنتدى ومن هو خارجه) لنناقش معا المسائل التي تجاهلها، ولو في نظرنا نحن، الحوار الذي أجرته الأغلبية ومعارضتها، ونخرج منه بمقترحات أو خارطة طريق متفق عليها من جميع الأطراف المتحاورة والموقعة عليها ونقدمها للرأي العام الوطني والدولي، وحتى الحكومة والأطراف التي شاركت معها في الحوار، ونعمل جميعا على تطبيقها في نضالنا من أجل موريتانيا حرة ومستقلة وديمقراطية يرى فيها كل موريتاني ذاته. إن مسيرة 29 أكتوبر 2016 أعطتنا الجماهير من خلالها درسا يجب استيعابه وهو أننا إذا اتحدنا يمكن أن نفعل الكثير.
إننا لسنا منسجمين فيما بيننا بما فيه الكفاية، أو بالأحرى لسنا متفقين على كل شيء، وذلك طبيعي، ومن هنا يكون الحوار بيننا والتوافق على الحد الأدنى الذي يجب أن نقوم بتطبيقه مجتمعين ضروري، فعلى سبيل المثال لا الحصر، أن نجيب على السؤال التالي، هل سنقاطع الاستفتاء الذي سيجري حول تغيير أو إلغاء بعض مواد الدستور؟، فيجب أن نقاطعه جميعا، مع أن مقاطعتنا السلبية ستكون انتحارا سياسيا آخر! أو سنشارك فيه ونعمل على التصويت ضده لإفشاله، وإلا سيكون نضالنا سلبيا. يقول المثل الشعبي: « ال امشڤـر ش إدير ش افبل» أي أن من ينتقد شيئا يقترح شيئا آخر محله.
فالجبهات والمنتديات لم يمنعا من بداخلهما أن يتصرف حسب ما تمليه عليه مصالحه الحزبية أو الفئوية الضيقة كما وقع في الانتخابات الأخيرة. التي يجب أن نضع درسها نصب أعيننا في كل عمل سياسي مشترك ونعمل معا على الاستفادة منه، ولن يكون ذلك ممكنا إلا إذا أجرينا حوارا شاملا وصريحا وواعيا ومفصلا خاصا بنا ونلتزم جميعا بتطبيق مخرجاته،
أتمنى ذلك من كل قلبي !

 

محمد عينين بن أحمد الهادي، مناضل في اتحاد قوى التقدم