في دولة المواطنة...ما هكذا ياسعد تورد الإبل / أحمد أبو المعالي

ابعت البارحة تقارير في إحدى القنوات المحلية تناولت فيها المواضيع الحقوقية في إطار الشرائح وهو أسلوب مناف لقيم المواطنة والدولة وفي الحقيقة لايعدو الأمر أن يكون  انعكاسا لدعوات وشعارات تجد من يغذيها تارة لأغراض شخصية ،وتارة من من يحسب أنه يحسن صنعا.ولله در القائل رب طالب للحق لن يجده.ورب ساع للخير أضل طريقه.

بثت القناة تقريرا عن الزنوج ومعاناتهم خلال نهاية القرن المنصرم  التي يفترض أن يكون البحث جاريا عن لملمة جراحها، لاحكها وصب الملح عليها ..عوض التفكير في صيغة مناسبة تنهي تلك الأزمة التي لا دخل للمواطن البسيط فيها ويراد منه أن يكون وقودها.

ثم أشفعته بتقرير عن لحراطين  وتتخلته عبارات وشعارات عنصرية لاتقل خطورة عن جريمة ممارسة العبودية من قبيل:  نحن قادمون سنزيل دولة البيظان والبربر..وغيرها من الشعارات التي تخالف القوانين والأعراف ..ولايمكن بأي حال من الأحوال أن تنجز خيرا لهذا الوطن، ولا أن ترفع الظلم عن مظلوم بقدر ما تزرع الكراهية والضغينة بين  مكونات هذا الشعب..فشعارات العنصرية وخطابها ليس خاصا بلون محدد ولا عرق معين..

ثم جاء تقرير عن شريحة لمعلمين ولم يبخل ذووها في الهجوم على المجتمع والدولة.

إن معالجة الأمور الوطنية بهذه الطريقة الشرائحة مناقض تماما لمفهوم الوطن الواحد ومفهوم المواطنة والدولة.

وإلا فما أسهل أن يرفع بعض الزوايا شعارا ضد بعض حسان لما عانوه من قبلهم من ظلم ومصادرة للأموال و"سيبة" جرت البعض للفتوى بجواز -إن لم أقل وجوب- دخول المستعمر حتى ينعم الناس بالعدل والأمان ولو تحت راية الكفر..فكم من أسر فقدت بين عشية وضحاها ما تملك لا لذنب سوى أنها كانت عرضة لنهب المجموعات المسلحة والقوية ..ومن أنفس أزهقت للسبب ذاته مع ما صاحب ذلك من سلب  وقتل وتشريد بعضها ما زال محفوظا بالأسماء والصفات.. ولو فتح هذا الملف لكان على "العرب" حسان أن يفتحوا ملف الحروب التي دارت بين بعض الإمارات وما خلفته من أضرار  ربما بين أبناء الإمارة ذتها والشواهد معروفة.

ولايخلو تاريخ مختلف  الأعراق والمجموعات من  مشاكل وحروب ونزاعات  لو وجدت من يعبث بها لكانت أعواد ثقاب.. وإيقاد النيران غير عصي حتى على الأطفال ..لكن إطفاءها يحتاج رجالا من نمط خاص.

وقس على ذلك شرائح ازناكة الذين يمكن أن يرفعوا عقيرتهم بما عانوه من تهميش  وحرمان  من التعليم للتفرغ لخدمة الزوايا والعرب.

والقول ذاته ينطبق على الفنانين إيكاون.

باختصار كنا في مجتمع له أخطاؤه عبر مسيرته ككل الشعوب والوقوف عندها وإثارتها الآن  لن ينصف مظلوما ولن يسر صديقا، ولن يساعد في بناء مجتمع متماسك.بقدر ما يخلخل بنية المجتمع ويهز صميم وحدته الوطنية.

ودعاته لايمكن أن ينجو من مظلة تنانة دعواهم..دعوها فإنها منتنة

وبإمكان ذوي قادة المحاولة الانقلابية الفاشلة على ولد هيدالة الذين أعدموا أن يرفعوا شعار المطالبة بالقصاص والثأر ولو أرادوها في إطار جهوي ضيق لفعلوا ..لكنهم لم يعلنوا الحرب على المجتمع ولا على الدولة ..واعتبروه صراعا سياسيا كانت هذه نتيجته..

لهؤلاء-ايها الحقوقيون- زوجات ولهم ذرية ولهم أطفال ولهم أقارب ولهم عوائل ولهم قبائل ولهم مجموعات...وكان بإمكانهم أن يؤلفوا- وفي عوائلهم من يستطيع ذلك- وأن يوثقوا بالصور كيف اعتقلوا كيف عذبوا كيف أزهقت أرواحهم ..ويدخلوا لعبة العواطف والمشاعر لاستدار القلوب والعبرات..  ولكن لاأحد يتحدث عن معاناتهم لأنهم هم لم يعرضوها للمزايدة ومن يبحث عن منفذ لطعن هذا الوطن من خاصرة ما ...فتحية لهم..

و لو عاد هؤلاء  إلى بداية دولة الإسلام في المدينة لوجدوا أنها لم تكن لولا تجاوز الضغائن والمظالم السابقة ..ولو رفعت الشعارات بالطريقة التي تعرض الآن في هذا الوطن لما كان ما كان ...ولنتأمل امتنانه تعالى ..واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا.

فلو لم تكن هناك ثارات وضغائن وحروب ومآس  لما كان في الأمر عبرة ..فلنتفهم ذلك جيدا وليفتح المخلصون لهذا البلد  صفحة جديدة من الإخاء..

بعيدا عن النفخ في صور الثأر والانتقام والتذكير بأحداث ومواقف تاريخة مؤسفة ومؤلمة  يمكن تجاوز آثارها بالتعامل الحكيم ..وليس بالوعد والوعيد واستدار العولطف العبرات.

فإما أن نتقي الله في مجتمعنا وفي مكونانتا المتعددة ونسعى للتقارب والتواد والتراحم ونتفرغ لمخاصمة ومحاربة دعاة التفرقة  والديمقراطية ودولة القانون التي لاتتكئ على مفهوم الشرائح.. وإما أن ننفخ في كير العرقية والطائفية والعنصرية وحينها لن يكون فينا منتصر ...سيهزم الجيمع وسيخسر الجميع ..

فأي الدارين نختار

أحمد أبو المعالي

كاتب وشاعر موريتاني مقيم بالإمارات

Ahmad_aboualmaaly@hotmail.com