ولد محمد لوليد: القائمون على المؤسسات الإخوانية مفاتيح لأبواب الشر

لست من أصحاب التشفي ولا من الذين يرتاحون لما يصيب من خالفهم في الرأي من قدر الله.

وإن حدث أن مورس علي ظلم حاولت دفع الظلم عني دون حقد أو ضغينة وذالك حق مشروع (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ)

أرجو من الله ذي القوة المتين أن يعينني على دفع الظلم عني بيدي ولساني وأن يهديني والمسلمين سواء السبيل. ونعوذ بالله من ضعف الإيمان. ومن هذا المنطلق لا أحمل حقدا على أحد ولا أتمنى لمسلم أن يشاك بشوكة لذلك لم أعلق على ما أصاب المشروع الإعلامي للإخوان.

والآن وقد وقف هذا المشروع على قدميه وعاد قطاره إلى السكة واستؤنف البث، فإن جملة من الملاحظات تبدو واردة في سياق الجدل الدائر وما رافقه من تفسيرات وتحاليل لعل من أغربها ما ذهب إليه البعض من أن احتراق الصدقة دليل على قبول الله لها! وهو قول يحتاج إلى دليل.

صحيح أنه في الأمم السابقة كانت الغنائم تجمع بعد القتال، ثم تنزل عليها نار من السماء فتحرقها. وإذا لم تنزل عليها كان ذلك دليلا على الغلول من المقاتلين.

هذا بشأن الغنائم أما غيرها فلا ينطبق الأمر عليه. ومن شك في هذا فليرجع إلى ابن كثير عند تفسير قول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ) قال ابن كثير:

" يقول  الله تعالى مكذبا اليهود الذي زعموا أن الله عهد إليهم في كتبهم أن لا يؤمنوا برسول حتى يكون من معجزاته أن من تصدق بصدقة فقبلت منه أن تنزل نار من السماء فتأكلها. قاله ابن عباس والحسن وغيرهما". ووجه الإستشهاد به أن أكل النار للصدقة من افتراءات اليهود التي كذبها الله فلا يصح في غير الغنائم وهذا قول حبر الأمة وترجمان القرآن والحسن البصري سيد التابعين وغيرهما من الأئمة ولم يذكر لهما مخالف فهو على حد الإجماع.

وإذا سلمنا جدلا أن أكل النار للقرابين كان دليلا على قبولها عند أهل الكتاب فهو خاص بهم لأنه شرع من قبلنا خالف شرعنا فلا دلالة فيه، ذلك أن قربان الأمة الإسلامية مخالف لقرابين غيرها من عدة أوجه منها على سبيل المثال أن المسلمين يأكلون من قرابينهم إجماعا كالأضاحي ونسك الحج ويدخرون منها على الصحيح بل ويتزودون في أسفارهم كما ثبت أن أنس ابن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم تزود من نسكه في الحج وهو مسافر إلى العراق. فالأكل منها محل إجماع والتزود والإدخار راجح كما بينه الإمام الشافعي في كتابه الرسالة.

كما أن المسلمين يركبون قرابينهم ويحملون عليها لما ثبت في الصحيحين وغيرهما من كتب السنة من قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي أهدى بدنة ولم يركبها فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بركوبها فاعتذر بأنها هدي مساق إلى الكعبة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (اركبها ويلك أو ويحك) ثم إنه لم يثبت في نص "نعلمه" أن تلف الصدقة بحريق أو غيره علامة لقبولها. ثم نتساءل هل كانت المؤسسة الإخوانية غنيمة؟ وإن كانت كذلك ففي أي معركة غنمت؟

إن الأولى بنا كمسلمين أن نأخذ الأمور بمنهاج القرآن والذي يحتم في مثل هذه المصائب أن نرجعها إلى أنفسنا وأن نضيفها إلى تقصيرنا (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.)

لم أتفاجأ وأنا أشاهد النيران تلتهم منبر التفرقة وإثارة النعرات وإيقاظ النائم من الفتن. فقبل أن يشتعل امتدت ألسنة لهيبه لتشعل نار الفتنة بين فئات شعب مسلم مسالم منَّ الله عليه بهوية إسلامية موحدة وبغياب تام للتعددية الدينية والمذهبية.

ففي الوقت الذي يكافح فيه هذا الشعب من أجل بقائه متماسكا قويا بعقيدته ووحدته وتضامنه، يطل المشرفون على مؤسسات الإخوان لتسميم الأجواء وتوتير الأوضاع الإجتماعية وفتح المنابر أمام دعاة التفرقة لتحريض البعض على البعض الآخر.

فمن استضافتهم لمن سموه بأحد الناجين من مجزرة إينال إلى تخصيص برنامج لنشاط الحركات المطالبة بانفصال جزء من التراب الموريتاني، مرورا بقضية مدرسة نسبية، والحديث عن دولة البيظان وما يمارس بها من بيع وشراء للعبيد. ناهيك عن محاولات إعلام الإخوان جر الضيوف إلى الحديث عن أمور تغرس الرعب في نفوس المواطنين الأبرياء، مثل الإيحاء بأن الأسمدة المفقودة استعملت في السيارة التي فجرها الجيش على مشارف العاصمة. وفي الأغلب الأعم يكون الضيف منتظما في صفوف جماعة الإخوان تابع تبعية عمياء للتنظيم. خاصة إذا كان المقصود بالحلقة تسليط الضوء على المواضيع التي يقصد من ورائها التشويش وبث الرعب والتفرقة.

ولا ننسى ما سمي بأحداث تدنيس المصحف المفتعلة والتي قام الإعلام الإخواني خلالها بقطع كافة برامجه لتغطية هذه الحادثة وبث أخبار مغلوطة مغرضة، كان الهدف منها تهويل الواقع ووصف البلد بأنه يعيش تحت وطأة العنف، وأن القتلى والجرحى في الشوارع.

إن القائمين على المؤسسات الإخوانية مفاتيح لأبواب الشر، يسعون من أجل أن يشتغل الناس بأمور مضرة مهلكة كالحروب بين المسلمين في غير طائل. يركبون كل سهل وحرون من أجل الترويج لأفكارهم والتأثير على أصحاب النفوس الطبيبة. وما ذلك إلا تنفيذا لمؤامرات يقصد بها التفرقة بين المسلمين والاعتداء على حرماتهم. وبذلك يكون الطريق سالكا للجماعة للاستيلاء على السلطة.

بل إن الواقع المرير الذي نشهده أنه إذا اشتعلت الحرب ودب الرعب في بلد مسلم تضررت الفئات الهشة المغرر بها، ولم تتضرر الحركة فمرشدها وأعوانه في قصورهم بعيدا عن فوهات البنادق وساحات الحروب.

لم يتردد الإخوان في وصف ما حصل لمنبر التفرقة وإشعال نار الفتنة، بأنه دليل على قبول العمل وصلاحه. ولكن تسلسل الأحداث أثبت عكس ذلك. فلو كان قربانا وصدقة لما تعهدوا باسترجاع مشروع قدموه صدقة لله، ولما أكدوا أنهم لن يتنازلوا عنه ولن يتركوه، وأنهم سيرجعونه أحسن مما كان. وقد نهى رسول الله صلى الله  عليه وسلم عن الرجوع في الصدقة فقال: الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ.

وإذا كان هذا هو منطق الإخوان، فإنه يحق لنا التساؤل هل يعتبر انهيار بناية مركز النور الصحي الذي يطلق عليه الإخوان "طب الإصلاحيين" قبل تدشينها دليلا على الإتقان وقبول العمل والحرص على سلامة المواطنين ومراعاة الجودة والالتزام بالمعايير المتبعة في بناء المنشآت الصحية. هل هو دليل على صدقة مقبولة وعمل خالص؟ أم هو الغش والتحايل والإهمال، والفساد الذي يعصف بالمنظومة الإخوانية؟

إن العارف بأمور الإخوان يدرك فداحة ما تتخبط فيه هذه الجماعة من فساد. فهم درجوا على استخدام الدين مطية للدنيا، ولا أدل على ذلك من تحويلهم مسجد أبي طلحة نظرا لموقعه الإستراتيجي إلى محلات تجارية تبيع اللحوم المستوردة التي أفتى علماؤهم بحرمتها ونجاستها. ولم يشفع لهذا المسجد منبر الخميس وماله من رمزية لدى الإخوان فغلبوا النشاط التجاري على النشاط الدعوي. ولو قام غيرهم بهذا الفعل لأقاموا الدنيا ولم يقعدوها ولاستغلوا المنابر للتأثير على مشاعر المسلمين وتحريك الشارع.

ولعلكم تتذكرون الضجة التي واجهوا بها بيع بعض المؤسسات التعليمية التي تقول الدولة إنها لم تعد مناسبة للاستخدام بحكم الموقع. وكيف شككوا في الصفقة، ولم يسلم منهم رجال الأعمال الوطنيين الذين أساؤوا إليهم وشككوا في قدرتهم على تسديد المبالغ، وتساءلوا من هو المشتري الحقيقي.

وعلى ذكر الإهمال وعدم مراعاة الجودة يحق للمرء أن يتساءل عن الأسباب التي أخرت انطلاق الأنشطة في مجمع الإخوان الذي يشتمل على مركز صحي، ومركز تعليمي، ودار للأيتام، ومركز للتكوين المهني، ومسجد لم تقم فيه الصلاة حتى اليوم رغم مرور أربع سنوات على اكتمال الأشغال في هذا المجمع وكان بعض المحسنين الكويتيين قد تبرع للفقراء الموريتانيين بأموال طائلة لتمويل هذا المشروع الذي لم ير النور. وقد لاحظ المتتبعون أن هذه المنشئات بدأت تتهالك، وقد تطايرت سقوف بعض أبنيتها.

والمفارقة العجيبة أن هذا المجمع يقع على طريق المقاومة على بعد خطوات من جمعية يشكك الإخوان باستمرار في مصادر تمويلها. ولم يتحدثوا أبدا عن هذا المجمع ولا عن الجهة التي تقف وراءه.

إن الفساد وتبييض الأموال الذي تقوم به هذه الجماعة مستمر بصورة شنيعة ولن يتم وضع حد له ما لم تتحمل الدولة مسؤوليتها وتقوم بحظر جمع التبرعات بالطرق التقليدية السائدة وعوضا عن ذلك تسعى لتأطير آليات استقبال التبرعات وتوثيق ذلك بالمستندات اللازمة.

وتشترط على الهيئات التي تقبل الهبات والإعانات النقدية والعينية أن يكون تسلمها بإيصال رسمي، أو إيداعها في الحساب البنكي الخاص بها. فالقائمون على الهيئات الناشطة في البلد يلجؤون لتنظيم حملات وطنية لجمع التبرعات، وذلك تغطية على التمويلات الخارجية الضخمة. كما أنهم يلجؤون إلى السوق السوداء في جميع التحويلات المالية المهمة عملا بمبدأ الإخوان في التكتم على الأموال، حيث لا يعثر لها على أثر في حالة ارتكاب هذه الجمعية أو تلك سلوكيات تؤدي إلى حلها، مخافة تأميم هذه الأموال من طرف الدولة. وليست جمعية المستقبل منا ببعيد.

 

عبد الله و لد محمد لوليد