رئاسيات 2019 : هل حسمت الأغلبية خيارها ؟

عاشت الأغلبية الرئاسية طوال السنتين الماضيتين على وقع صراعات بلغت أحيانا مستوى من الحدة لم يكن مألوفا في موالاة الأنظمة المتعاقبة على حكم البلاد. وقد امتد تأثير هذه الصراعات ليطال الحزب الحاكم، فبدا لبعض الوقت وكأن مراكز قوى معينة داخل النظام نجحت في تفكيكه، مخلفة الانطباع بأن المصير الحتمي لـ "مملكة القيصر أن يتقاسمها الأتباع" في ظل غياب من هو قادر على التقاط المشعل وتوحيد الصفوف لضمان مواصلة المسيرة!

وحين تنضاف حالة "التمزق" هذه إلى الأزمة السياسية القائمة مع المعارضة الراديكالية وإلى الصعوبات الاقتصادية وأجواء التوتر الناجمة عن تنامي الصراعات الاجتماعية، لا يجد بعض المراقبين بدا من التعبير عن قلقهم على مستقبل البلاد خصوصا في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية غير المواتية للدول التي تتأخر في إيجاد الحلول الناجعة لمشكلاتها الداخلية.

من الطبيعي أن تسعى أطراف في المشهد الوطني إلى "تثبيت" هذه الصورة الملتقطة قبل فترة للوضعية العامة للبلاد، أطول مدة ممكنة، وإلى إظهارها على أنها القراءة الوحيدة السليمة للواقع. لكن هل طرأت مستجدات على الساحة تسوغ التشكيك في القراءة السابقة، بل وإعادة النظر في صورة باتت متجاوزة بفعل حركية الواقع وتسليط الضوء على بعض زواياه المعتمة؟

تكمن المفارقة في أن أوساط المعارضة لم تكن وحدها المهتمة بالتحضير المبكر لاستحقاقات 2019 والسعي لحجز تذكرة سفر للعبور الآمن إلى المرحلة القادمة، بما يتطلبه ذلك من عقد للتحالفات غير الطبيعية ومن افتعال للحروب وخوض للمعارك من أجل التخلص من المنافسين المحتملين وتحطيم الخصوم.

 وبالرغم من استمرار مستوى من النقاش طوال هذه الفترة حول الوضعية العامة للبلاد، فإن ما حظى بالاهتمام لم يكن الاقتصاد ولا حتى ترقية الممارسة الديمقراطية ولا الدفاع عن حقوق الإنسان، إذ أن أنظار الفاعلين ظلت مشدودة تجاه استحقاق واحد في بحث مستميت عن الإجابة على تساؤل مركزي يتعلق بموقف الرئيس من المأمورية الثالثة وبخليفته المحتمل في حالة عدم ترشحه؟

ولعل أهم ما ميز المرحلة الماضية، أن سؤال المأمورية لم يكن أكثر إلحاحا داخل المعارضة منه على مستوى الأغلبية، بل إن شخصيات فاعلة في هذه الأخيرة طرحته بطريقتها الخاصة لتجعل منه جسرا للتعبير عن طموحاتها الرئاسية، بعد أن تأكدت قبل غيرها من جدية نوايا الرئيس بشأن عدم الترشح. لم يعد سؤال المأمورية الثالثة مطروحا بالنسبة لها وإنما ما الذي يمنع أيا من هذه الشخصيات من أن يقع عليه الاختيار للترشح للمأمورية الأولى؟

وما لم يتم الانتباه له في حينه، أن الصراع الملاحظ بين أقطاب الأغلبية خلال المرحلة الماضية، لم يكن في واقع الأمر سوى شكل من أشكال الانتخابات التمهيدية، قرر أولئك الأقطاب خوض غماره لتأكيد أحقيتهم بالترشح قبل أن ينسحبوا من المنافسة الواحد تلو الآخر، حين أدركوا بأن السلطة "أكثر جدية من أن تترك للمدنيين وحدهم" وبأن القرب من دوائرها العليا لا يمنح شرعية التطاول على المساحات المحرمة.

صحيح أن بعض القطع المتناثرة فوق رقعة الشطرنج تحمل ألقابا مغرية من ضمنها الفارس والوزير وحتى الملك، غير أنها تظل مجرد بيادق يحركها لاعبان وفق خطط استراتيجية وفي سبيل تحيق هدف محدد. يمكن لبيدق ما في لحظة محددة لعب أدوار كبيرة في الصراع من أجل تحقيق النصر، لكن من دون أن يعني ذلك بأنه أصبح ندا للاعب أو بديلا له، إذ أن مغادرة القطعة للحلبة تكون متاحة فقط حين يتم الاستغناء عن خدماتها!

لقد مثلت تصريحات رئيس الجمهورية حول المأمورية وعملية إصلاح الاتحاد من أجل الجمهورية، أولى الأدوات المستخدمة لتوجيه الصراع القائم، قبل أن يفرض تطور الأحداث التدخل الحاسم لإعادة الأمور إلى نصابها. ففي جانب من المشهد ظهر رئيس الجمهورية وهو يضع حدا للحملة الانتخابية السابقة لأوانها لأحد المترشحين، بينما ظهر في الجانب الآخر قائد الأركان العامة للجيوش وهو يوجه بقية المتنافسين بالابتعاد عن الخلاف وبأن التوافق هو كلمة سر المرحلة القادمة!

ليس التناغم بين مواقف الرئيس والفريق هو الجديد في الصورة الراهنة للوضع الوطني لأنه تناغم أثبتت الأيام جديته وصلابته، غير أن ظهورهما المشترك في هذا الوقت بالذات من أجل حسم الجدل الدائر حول المرحلة القادمة والانصياع الذي أبداه الجميع للتوجيهات المقدمة من طرفهما، يؤكد أكثر من أي وقت مضى بأن مسألة التناوب على السلطة محسومة سلفا وبأن للأغلبية الحاكمة مرشحها الجاهز لحمل لوائها وأنها في نهاية المطاف جاهزة للالتفاف كفريق واحد حول ذلك الخيار .